اخبار وطنية

الأمن السيبراني والسلامة المعلوماتية: تحولات الحريات في تونس بعد 25 جويلية

يشهد العالم في السنوات الأخيرة تصاعدًا في تحديات الأمن السيبراني والسلامة المعلوماتية خاصة مع هيمنة التكنولوجيا و اجتياحها جميع المجالات و المؤسسات .

و لم يعد ضمان الأمن السيبراني مقتصرًا على حماية المعلومات الشخصية من القرصنة فقط، بل أصبح أيضا استراتيجية لسيادة وحماية مصالح وأمن الدول القومي.


و لقد أفاد الأمين العام للإتحاد الدولي للإتصالات هولين جاو في تصريح له أنه ” في هذه الأوقات الغامرة بالتحديات ، يأتي التعويل غير المسبوق على تكنولوجيا المعلومات و الإتصالات في توجيه المجتمع و الإقتصاد و الصناعة ليجعل تأمين الفضاء السيبراني و بناء الثقة فيما بين مستخدميه أهم من أي وقت مضى “


أما على الصعيد التونسي فبرزت هذه التحديات أكثر خاصة بعد إجراءات 25 جويلية 2021. لتصبح محطة فاصلة في المشهد السياسي والحقوقي.

الأمن السيبراني: ضرورة متزايدة في العالم الرقمي

يمكن تعريف الأمن السيبراني بأنه مجموعة التدابير والإجراءات ومفاهيم الأمن وطرق إدارة المخاطر والأعمال وأفضل الممارسات والتكنولوجيات التي تسمح لنظام معلومات أن يقاوم أحداثا مرتبطة بالفضاء السيبراني و التي من شأنها أن تمس بسلامة وسرية المعطيات المخزنة أو المعالجة أو المرسلة والخدمات ذات الصلة التي يقدمها هذا النظام أو تسمح الولوج إليه أي أنه يضمن حماية النظم الرقمية والبنية التحتية التقنية من التهديدات السيبرانية مثل: الاختراقات، البرمجيات الخبيثة، والهجمات الموجهة.

في تونس، كانت الرقمنة في الإدارة العمومية والقطاع الخاص مشكلة كبيرة، خاصّة مع تزايد الهجمات الإلكترونية واستهداف مؤسسات السيادة اذ شهدت تونس 15 الف جريمة الكترونية سنة 2023 وفقا لوزير تكنولوجيا الاتصال السابق نزار بن ناجي خلال حضوره بمجلس نواب الشعب .

سعت السلطات بعد صدور المرسوم عدد 17 لسنة 2023، المقر بتوسيع العقوبات على الجرائم السيبرانية، إلى تأطير مكافحة جرائم الفضاء الرقمي: نشر الأخبار الزائفة، استهداف البنية التحتية الحساسة…

لكن أثار المرسوم انتقادات منظمات المجتمع المدني والصحافة باعتبار بعض فصوله أداة يمكن توظيفها للحد من حريّة التعبير.

السلامة المعلوماتية: بين التقدّم التقني والقيود المفروضة

تحتاج السلامة المعلوماتية إلى أنظمة رقمية فعّالة تحمي المعطيات الشخصية للمستخدم.

لكن يظلّ النقاش متواصلا بين جهود الدولة المبذولة لحماية هذه المعطيات وضمان الحرّيات في ذات الآن.

شكا الكثير من الصحفيين والمدونين في آخر سنتين، المضايقة الرقمية لنشاطهم الالكتروني واعتبروها وسيلة جديدة للسيطرة على حريّة التعبير وكبح الأصوات المعارضة فحسب تصريحات لمنظمة أكساس ناو” (accessnow)، التي تم تأسيسها سنة 2009 و تهتم أساسا بالدفاع عن الحريات المدنية و الرقمية إنه “يتعين على الدول المنخرطة في المفاوضات الأممية بشأن اتفاقية دولية للتصدي للجرائم السيبرانية أن تأخذ بعين الاعتبار أن ما قامت به تونس يأتي في سياق انتشار موجة القوانين المتصلة بالجرائم السيبرانية في المنطقة أين تقوم الدول التسلطية باستعمال التصدي للجريمة السيبرانية كمطية لضرب حرية التعبير في الفضاء الرقمي وملاحقة جميع أشكال المحتوى الرقمي الذي يتناول بالنقد السلطات العامة ويفضح التجاوزات والانتهاكات التي يمكن أن ترتكبها”.

نقد وضعية الحريات في تونس بعد 25 جويلية

شهدت تونس جدلا واسعا حول مستقبل الديمقراطية والحريات منذ إعلان الرئيس قيس سعيّد إجراءات 25 جويلية 2021، التي شملت تعليق عمل البرلمان وتوسيع السلطات الرئاسية.

وأشارت تقارير حقوقية محليّة ودولية تراجعا كبيرا في الحريّات واستقلال القضاء، بالرغم من تأكيد الدولة التونسية أنّ إجراءات 25 جويلية غايتها مكافحة الفساد وبناء دولة القانون.

من ناحية أخرى، عمّق المرسوم عدد 17 مخاوف المعارضين والصحفيين أكثر بسبب لبس فصوله وتجملّها بأكثر من معنى وتأويل .
ما قد يجعل مثلا فصلا مثل “مكافحة الأخبار الزائفة”، شمّاعة سهلة لاستهداف الأصوات المعارضة للنظام وتهديدا خطيرا للصحافة والمجتمع المدني.
و في تصريح له لبوابة تونس أكد الناشط الإعلامي والحقوقي سمير بوعزيز عن هاوجسه و تخوفه حول التشريعات الموجودة حاليا والمتعلقة بالجرائم الإلكترونية مقرا بأنها “تكرس سياسة التضييق على الحريات أكثر مما تعمل على المحافظة عليها” على حد قوله .
.

التوازن المفقود بين الأمن والحريات

تتطلّب المرحلة الراهنة في تونس، تعزيز الأمن السيبراني لحماية المجتمع والمؤسسات، لكن يكمن التحدي الأكبر في الموازنة بين الحماية الإلكترونية وضمان الحريّات لمختلف الفئات داخل هذا الفضاء.

مع الأسف التوازن بين الإثنين مفقود تقريبا، بسبب ازدياد مخاوف تحوّل بعض القوانين إلى أدوات قمعية بدلا من استخدامها لتعزيز السلامة المعلوماتية.

ختامًا: نحو سياسة شاملة

مع تصاعد الجرائم الإلكترونية اليوم، أصبح الاستثمار في الأمن السيبراني مهم جدا و قد شدد علي العريبي الخبير في الأمن السيبارني خلال ندوة نظمتها الغرفة المشتركة للصناعة والتجارة التونسية الفرنسية تحت عنوان “الأمن السيبراني: فهم المخاطر والتصرف في مواجهة التحديات الجديدة” بحضور ثلة من المتخصصين والخبراء في سبتمبر 2024 على أن ” حماية المعطيات تعنينا جميعا لكونها تم العامة والخاصة فهذه الجريمة ستصبح في السنوات العشر القادمة طاغية وهذا ما سيدعو إلى الاستثمار بشكل متواتر في هذا التشاط خاصة من قبل المؤسسةالتي لما تزل تعطي هذا الموضوع ما يستحق من عناية من ذلك أن استثمارات المؤسسة في الامن السيبيرني لا يتعدى نحو 1% من رقم معاملتها في الوقت الذي يجب أن يبلغ هذا الاستثمار ما لا يقل عن 5% مثلما هو الشأن في أوروبا. “

لكن نحتاج في تونس إلى سياسة أمن سيبراني شاملة: تحمي الدولة ومؤسساتها من الجرائم الرقمية وتراعي في ذات الآن الحقوق والحرّيات للشعب التونسي وممثليه.

حفاظا على أحد أهم مكاسب ثورة 14 جانفي، تعزيزا لبناء مسار ديمقراطي واضح واحتراما لدماء شهدائها…شهداء الكلمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى