تكنولوجيا

السلامة الرقمية للصحفيين وتداعيات مخاطرها على حرية الصحافة..!

رغم التطور المتسارع للتقنية التي يشهدها عالم الميديا، والذي يشكل بدوره في أحيان عديدة مسألة مهمة في تحسين نسق العمل الصحفي على مستويي الجودة والجدوى، خصوصا في السياق الذي نتحدث فيه عن حسن الاستغلال والتوظيف لمختللف التقنيات منها الذكاء الاصطناعي وظهور التطبيقات والمنصات والمواقع التي توفر البيانات بطرائق أسهل من البحث عنها وأكثر سرعة تتزايد مخاطر هذا التطور سيما على مستوى المخاطر والتهديدات التي يمكن أن تطال حسابات الصحفي واجهزته ومعداته التي صارت خزانا للمعطيات والبيانات المهمة خاصة في مجال الاستقصاء والتحقيقات.

في هذا العالم بالذات، والذي يتزايد فيه وبصفة يومية الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية، تواجه مهنة الصحافة تحديات جديدة تتعلق بالسلامة الرقمية، فالصحفيون، الذين يعتمدون بشكل متزايد على الأجهزة الرقمية والإنترنت في جمع الأخبار ونقلها، يجدون أنفسهم في مواجهة مخاطر تقنية تهدد سلامة معلوماتهم وخصوصيتهم. 

من ضمن المخاطر الهجمات السيبرانية المعقدة أو المراقبة غير المصرح بها، وبهذا أصبح الحفاظ على سلامة البيانات وحماية المصادر مهمة ملحة في العصر الرقمي. ومع تزايد هذه المخاطر، تتعالى الأصوات المطالبة بتوفير التدريب والدعم اللازمين للصحفيين لضمان قدرتهم على حماية أنفسهم ومصادرهم في بيئة عمل تزداد تعقيدًا.

حالات اختراق متعددة ونوعية !

أظهرت تقارير حديثة تصاعد وتيرة الهجمات الإلكترونية التي تستهدف الصحفيين، حيث تشير منظمة “مراسلون بلا حدود” إلى أن العام الماضي شهد زيادة بنسبة 30% في حوادث اختراق حسابات الصحفيين والبريد الإلكتروني الخاص بهم. هذه الهجمات تأتي غالبًا في سياق محاولات لعرقلة التحقيقات الصحفية أو الوصول إلى مصادر معلومات حساسة

في السياق التونسي، كانت صرحت الصحفية رانية الدريدي لصحيفة ” ذا غاردين الأمريكية عن تعرض هاتفها للاختراق لمدة 8 أشهر، وهو الأمر الذي أثر على حياتها الخاصة حتى مع أفراد عائلتها بحسب ما مقال نشره معهد الجزيرة للاعلام.

في نفس الاطار كشف تحقيق استقصائي بثته قناة الجزيرة  حادثة بيغاسوس التي تتعلق ببرنامج تجسس طورته شركة NSO Group الإسرائيلية، والذي تم استخدامه لاستهداف الهواتف الذكية لمجموعة متنوعة من الأشخاص، بما في ذلك صحفيين ونشطاء حقوق الإنسان وسياسيين، وهو نفسه البرنامج الذي طال الصحفية رانية.

ويستغل هذا البرنامج ثغرات في أنظمة الهواتف الذكية لاختراق الأجهزة والسيطرة عليها، مما يسمح للمهاجمين بالوصول إلى الرسائل النصية، والمكالمات، والبريد الإلكتروني، وحتى تفعيل الكاميرا والميكروفون دون علم المستخدم.

تداولت تقارير إعلامية في عام 2021 معلومات حول استخدام بيغاسوس لاستهداف مئات الصحفيين حول العالم. وقد أثار هذا الكشف موجة من الانتقادات والقلق بشأن انتهاكات الخصوصية وحرية الصحافة، كما اعتبرت هذه الحادثة مثالاً صارخًا على مخاطر تقنيات المراقبة المتقدمة في يد الحكومات والجهات الفاعلة الأخرى التي قد تسعى لإسكات الأصوات المعارضة أو جمع معلومات حساسة.

تداعيات هذا الاختراق بدورها كانت واسعة، حيث أدت إلى دعوات منظمات حقوقية وحكومات للتحقيق في استخدام مثل هذه البرمجيات، وإلى ضغوط على الشركات التقنية لتحسين أمن الأجهزة وحماية المستخدمين. كما سلطت الضوء على الحاجة لوجود أطر قانونية وتنظيمية دولية تضبط استخدام برامج التجسس وتمنع إساءة استخدامها.

الحادثة أثارت نقاشات حول التوازن بين الأمن الوطني وحقوق الأفراد، وحثت على تعزيز الشفافية والمساءلة في عمليات المراقبة الإلكترونية. كما دعت إلى تطوير وسائل حماية أقوى للصحفيين والعاملين في المجالات الحساسة لضمان قدرتهم على أداء مهامهم دون خوف من التعرض للمراقبة أو الاستهداف.

سيناريو أسود أخر تعرض له الصحفي المسيكي خافيير فالديز الذي كان معروفاً بتغطيته الشجاعة لقضايا الجريمة المنظمة والفساد في المكسيك. عمل فالديز كمراسل ومؤسس مشارك لجريدة “ريو دوثير” في ولاية سينالوا، وهي منطقة معروفة بنشاطات كارتلات المخدرات. كان خافيير يركز في تقاريره على تأثير العنف والجريمة على المجتمع المحلي، وغالباً ما كان ينتقد السلطات المحلية والاتحادية لتورطها أو تقاعسها في مواجهة هذه القضايا.

في ماي 2017، قُتل خافيير فالديز بإطلاق نار في وضح النهار بالقرب من مكتبه في كولياكان، عاصمة ولاية سينالوا. أثار مقتله غضباً دولياً ولفت الانتباه إلى المخاطر الكبيرة التي يواجهها الصحفيون في المكسيك، حيث تعتبر البلاد واحدة من أخطر الأماكن للعمل الصحفي في العالم.

تُشير التحقيقات إلى أن مقتل فالديز كان مرتبطاً بعمله الصحفي وبتحقيقاته حول تجارة المخدرات. وقد أُثيرت اتهامات بأن بعض الفصائل المتورطة في تجارة المخدرات ربما شعرت بالتهديد من التقارير التي نشرها، مما دفعهم إلى إسكات صوته. كانت هناك أيضاً مزاعم بأن السلطات المحلية قد تكون متورطة أو على الأقل متغاضية عن الجريمة.

أشارت تقارير أيضا الى أن هذه الأدوات قد استُخدمت لجمع معلومات عن فالديز قبل اغتياله، مما جعل من السهل تعقبه وتصفيته وقد ظهرت منذ ذلك الوقت رسائل عديدة مفادها أن طرق استهداف حرية الصحافة لم تعد متصلة بالعنف او الابتزاز أو القتل، انها تجاوزت ذلك إلى مخاطر سيبرانية في العالم عموما وحتى في تونس كما حدث الأمر مع الصحفية رانية الدريدي.

كيف يمكن أن يحمي الصحفي نفسه ؟ 

كشف الخبير في الأمن السيبراني والسلامة المعلومية محمد حمدي الوردي عن مجموعة من النصائح حتى يتسنى للصحفيين حماية انفسهم من مثل هذه المخاطر، وأشار الخبير في هذا الاطار إلى ضرورة التعويل على أجهزة خاصة للعمل.

وأشار محمد ” ينبغي استخدام حواسيب محمولة مخصصة للعمل، كما يُفضل استخدام جوالات مختلفة عن هواتفك الشخصية لأجل العمل، لتقليل مخاطر التجسس والاختراق أو حتى التفتيش”.

وأفاد حمدي في ذات السياق ”  جهازك المحمول أو الكمبيوتر الشخصي ليس مجرد أداة للاتصال والعمل، بل هو أيضاً نافذة تفتح على حياتك الشخصية والمهنية، فهو معرض للتفتيش دائماً، لذلك يجب الحرص على تشفير وإخفاء أية بيانات حساسة”.

ودعا الخبير في السلامة المعلوماتية إلى ضرورة الابتعاد عن مشاركة معلومات حساسة ومعلومات شخصية على منصات التواصل الاجتماعي،  منها على سبيل المثال التوقف عن مشاركة الصحفي لحياته اليومية بشكل مستمر، أو الكشف عن معلومات مهمة على حساب الصحفي في مواقع التواصل الاجتماعي، تتعلق بمواقع العمل أو الإقامة أو التواجد، بحسب تعبيره.

واعتبر الخبير بأن استخدام شبكة خاصة افتراضية (VPN) أمرا ضرورياً بالنسبة للعمل الصحفي، حيث يتيح استخدام VPN  إنشاء اتصال آمن ومشفر بين الأجهزة والإنترنت، ما يحمي الصحفي من التجسس والمراقبة. وأضاف الخبير أنه يمكن أيضا  لـ VPN تجاوز القيود والوصول إلى المواقع والمحتوى المحظور في بعض الدول، مما يسهل عمل الصحفيين والصحفيات ويمكن من الوصول إلى المعلومات بحرية ودون قيود.

وشدد الخبير أيضا ضمن توصياته على أنه من الضروري عند إجراء المحادثات مع المصادر أثناء العمل الصحفي تأمينها واستخدام تطبيقات محادثة آمنة مثل Signal، وكذلك الاعتياد على حذف المحادثات الحساسة بانتظام.

وأعتبر الخبير محمد أن تأمين الحسابات الشخصية والمهنية يعد أمراً ضرورياً للغاية، قائلا بأنه يجب على الصحفيين والصحفيات اتباع إجراءات أمان فعّالة، مثل استخدام كلمات مرور قوية وفريدة لكل حساب، وتفعيل خاصية التحقق بخطوتين على جميع الحسابات التي توفر هذه الميزة. بالإضافة إلى ذلك، يُنصح باستخدام برامج إدارة كلمات المرور التي تسهل عملية إنشاء وتخزين كلمات المرور بشكل آمن.

ودعا الخبير الى الحفاظ على تحديث الأنظمة و البرامج بشكل منتظم، معتبرا أن هذه التحديثات يمكن أن تحتوي على تصحيحات للثغرات الأمنية التي يمكن للمهاجمين استغلالها للتجسس أو الاختراق.

وشدد الخبير على ضرورة الاعتياد على إجراء نسخ احتياطي للبيانات والأرشيف الخاص بالعمل بالنسبة للصحفيين، معتبرا أن هذه البيانات هي خلاصة العمل ومن السهولة أن تتعرض للتلف أو التخريب، مؤكدا على ضرورة  استخدام خدمات التخزين السحابي الذي يعد خياراً جيداً. مع الانتباه لنقطة تشفير البيانات عند إجراء النسخة الاحتياطية.

ومن ضمن التوصيات أيضا التي دعا اليها محمد حضور تدريبات لرفع الوعي بإجراءات السلامة الرقمية وأفضل الممارسات في هذا الصدد، معتبرا أنه  يمكن لهذا التدريب أن يشمل كيفية التعرف على الهجمات الإلكترونية، وكيفية التعامل مع رسائل البريد الإلكتروني المشبوهة، وكيفية تأمين الاتصالات الرقمية.

ودعا أيضا في حالة الشك أو الاعتقاد  بالتعرض لاختراق أو هجوم إلكتروني إلى الاستعانة بخبراء وخبيرات في الأمن الرقمي للمساعدة في تقييم ومعالجة الوضع بفعالية.

أدوات معينة يجب التعويل عليها !

سلط الخبير في الأمن السيبراني محمد حمدي الوردي الضوء على أهمية حماية الصحفيين من الاختراقات والتجسس الإلكتروني في ظل التهديدات المتزايدة التي تستهدف المجال الإعلامي.

 وأكد الوردي أن تعزيز الأمان الرقمي يبدأ من استخدام جهاز حاسوب مخصص للأمان، حيث يُفضل أن يستخدم الصحفيون حواسيب مخصصة لأغراض العمل الصحفي فقط، مع ضمان وجود برامج حماية وأنظمة تشغيل محدثة باستمرار لضمان أفضل درجات الأمان.

وأشار الوردي إلى ضرورة الاعتماد على برامج مكافحة الفيروسات وبرمجيات التجسس القوية مثل Bitdefender، Kaspersky أو Norton، موضحاً أن التحديث الدائم لقاعدة بيانات هذه البرامج يساهم في التصدي للتهديدات الإلكترونية المستجدة.

 كما شدد على أهمية استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN)، مفضلاً خدمات موثوقة مثل NordVPN أو ExpressVPN، والتي تساهم في إخفاء الموقع الجغرافي وتشفير الاتصال بالإنترنت، مما يوفر طبقة إضافية من الحماية.

وفيما يتعلق بتشفير البريد الإلكتروني والاتصالات، نصح الوردي باستخدام برامج مثل ProtonMail لتشفير الرسائل الإلكترونية، بالإضافة إلى تطبيقات المراسلة المشفرة مثل Signal أو WhatsApp لضمان سرية الاتصالات. وأوضح أن التخزين السحابي الآمن يعتبر ضرورة لتخزين المعلومات الحساسة، مشيراً إلى خدمات مثل Tresorit أو SpiderOak التي تعتمد على التشفير لضمان حماية البيانات.

من جانب آخر، أكد الوردي على أهمية تفعيل خاصية المصادقة الثنائية (2FA) على جميع الحسابات الرقمية والبريد الإلكتروني كإجراء إضافي ضد الاختراقات. كما نصح باستخدام جدران الحماية (Firewall) لضمان التحكم في حركة البيانات القادمة إلى الجهاز ومنه، مما يساهم في حماية الأجهزة من الهجمات الإلكترونية.

ولم يغفل الوردي عن التوصية باستخدام متصفح آمن، حيث يُنصح باستخدام متصفحات تحمي الخصوصية مثل Brave أو إضافة ملحقات حماية الخصوصية لمتصفحات أخرى، مثل uBlock Origin و HTTPS Everywhere. وأكد على ضرورة التحديث المستمر لجميع البرامج والتطبيقات المستخدمة لضمان سد الثغرات الأمنية التي قد يتم استغلالها من قبل المهاجمين.

وأخيراً، شدد الوردي على أهمية تدريب الصحفيين على الأمان الرقمي من خلال دورات تدريبية متخصصة، مشيراً إلى أن الوعي والمعرفة بأحدث أساليب الحماية يمكن أن يكونا خط الدفاع الأول ضد التهديدات السيبرانية.

بناء على كل ما سبق، يبدو ان تهديد حرية الصحافة سواء في تونس أو في العالم لم يعد مرتبطا بالتشريعات القانونية التي تحول دون حرية الصحافة أو تعرقل وصول الصحفي إلى المعلومات ومصادرها فقط وانما أيضا بالاختراقات والمخاطر المعلوماتية التي يمكن أن تكشف عن معطياته ومصادره وبالتالي الحيلولة دون حرية الصحافة.

اسكندر نوار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى