نشرت مجلة ” ذي نيويوركر” الأمريكية مقالا مطولا تحدثت فيه عن انهيار المسار الديمقراطي في تونس واعتقال رئيس حزب حركة النهضة راشد الغنوشي.
وعنونت المجلة المقال الذي اصدرته في منصتها الالكترونية يوم أمس الأحد 23 أفريل 2023 ” تونس تعتقل أبرز زعماء المعارضة” في إشارة إلى رئيس حزب حركة النهضة راشد الغنوشي.
وجاء في مطلع المقال المطول أن ” تونس كانت مسقط رأس الربيع العربي ، وآخر مكان فشلت فيه. بعد عقد من الحرية والديمقراطية”.
ويأتي هذا في اشارة إلى اندلاع الثورة بتونس خلال سنة 2011 كأول دولة عربية تشهد انتفاضة وتستهل مشوارها الديمقراطي بعد سنوات في الاستبداد.
وجاء في مطلع المقال أيضا أن تونس كانت أخر دولة فشلت فيها التجربة الديمقراطية.
وقالت المجلة ” في عام 2021، أغلق الرئيس قيس سعيد، البرلمان، وبعد فترة وجيزة، بدأ في فرض دستور استبدادي واعتقال منتقديه”.
وكتبت المجلة ” هذا الأسبوع اعتقلت الشرطة أخيرًا راشد الغنوشي، زعيم أكبر حزب سياسي في تونس والمفكر الأكثر نفوذاً في العالم العربي حول التوليف المحتمل للديمقراطية الليبرالية والحكم الإسلامي”.
وعادت في المقال على جزء من تاريخ الغنوشي وحياته من النشأة بالجنوب التونسي إلى التعليم والعمل والحياة السياسية وعودته إلى تونس الاولى عام 1971.
وذكرت أن السياسات الإسلامية على غرار الإخوان المسلمين كانت في صعود في جميع أنحاء المنطقة كبديل للأنظمة الاستبدادية في السلطة.
وقالت “وفي عام 1981، شارك الغنوشي في تأسيس حركة إسلامية تونسية. تم سجنه وتعذيبه لمدة ثلاث سنوات، وفي عام 1987 تم اعتقاله مرة أخرى وحكم عليه بالإعدام ونفي إلى لندن خاصة وأن الدول العربية الأخرى رفضت قبوله.
وأشار المقال إلى إطلاع الغنوشي للديمقراطية الليبرالية في بريطانيا من منظور إسلامي يميزه عن جيل من المثقفين العرب.
وجاء في المقال ” كان العلماء الإسلاميون قد خلصوا منذ فترة طويلة إلى أنه في «دار الإسلام» الحقيقية يجب أن يشعر المسلم بالأمان في حريته وممتلكاته ودينه وكرامته”.
وتحدث المقال أيضا عن أطروحة الغنوشي التي وصفها بالتاريخية والتي جاءت تحت عنوان “الحريات العامة في الدولة الإسلامية”، والتي بدأ كتابتها في السجن ونشرها باللغة العربية عام 1993.
وتساءل كاتب المقال ” فلماذا وجد الغنوشي هذا الأمن فقط في الغرب ؟ وخلص إلى أن الدولة الإسلامية الحقيقية يجب أن تقوم على “حرية الضمير” للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء.
وجاء في المقال أيضا أن الغنوشي حث الإسلاميين على التعلم من الديمقراطية الغربية للاستفادة “من أفضل التجارب البشرية بغض النظر عن أصولهم الدينية، لأن الحكمة هي توأم الشريعة”.
وفي نفس المقال تحدثت المجلة عن عودة هذا الاخير إلى تونس خلال سنة 2011، مشيرة إلى موجة عفوية من الاحتجاجات ضد وحشية الشرطة قادت حاكمها بن علي القديم إلى المنفى وأطلقت ثورات الربيع العربي.
وقالت المجلة أن الغنوشي ساعد في جعل الانتقال السياسي في البلاد الأكثر ليبرالية في المنطقة، وبذل قصارى جهده لإنقاذ آفاق الديمقراطية في أماكن أخرى.
ونقلت المجلة أنه في أواخر ربيع 2013 – قبل عقد من الزمان – سافر إلى مصر لتقديم المشورة لأول رئيس منتخب ديمقراطياً، محمد مرسي، من جماعة الإخوان المسلمين.
وقالت المجلة أنه من الصعب الآن تذكر الأمل في تلك الأشهر، وقد أجرت كل من تونس ومصر وليبيا انتخابات ذات مصداقية وبدأت في صياغة مواثيق جديدة.
وجاء في المقال أن الخبراء الغرب استشهدوا باليمن كنموذج للتسليم السلمي للسلطة، مشيرة إلى أنه ” حتى في سوريا لا يزال معظم المتمردين يسيرون تحت راية الديمقراطية، وليس الإسلام المتطرف ؛ ولم تتحول الانتفاضة بعد إلى حرب أهلية طائفية.
وذكرت المجلة في جسم المقال أن عاصفة رملية كانت تهب باتجاه ميدان التحرير، قائلة أن اعتصاما استمر ثمانية عشر يومًا، مستوحى من تونس أطاح بالرئيس حسني مبارك وفتح الطريق أمام مرسي.
وذكرت المجلة ” والآن دعا معارضو مرسي إلى احتجاجات للمطالبة باستقالته، وكان قائد القوات المسلحة يرسل إشارات متضاربة حول ولائه”، وفق ما جاء في المقال.
وتحدث المقال أيضا عن الفترة التي قضاها الغنوشي في التفكير والكتابة والتي استمرت لعقدين بحسب الصحيفة ظل فيها الغنوشي على نفس الوعود التي قام بها الإخوان المسلمون في مصر – الجمع بين الحكم الإسلامي والانتخابات الديمقراطية والحريات الفردية.
وقال كاتب المقال، الصحفي ديفيد دي كيرك باتريك أيضا ” خلال رحلته إلى القاهرة، أخبرني الغنوشي بعد بضعة أشهر، في مقر حزبه في تونس العاصمة، أنه حاول إقناع مرسي بأنه من أجل تحقيق هذه الأهداف، يجب أن يفقد بعض السلطة طواعية”.
وأشار الصحفي في مقاله المنشور بالمجلة إلى أن مستشاري الرئيس مرسي كانوا قد أكدوا لاحقًا الخطوط العريضة لرواية الغنوشي، قائلا ” والتي أخبرني بها بشرط أن أبقيها خاصة في ذلك الوقت”.
وقال باتريك ” أنه بعد ثورات مثل تلك التي حدثت في مصر وتونس، يجب على حزب الأغلبية أن يفهم الضعف القلق للأقليات السياسية أو الدينية، مثل الليبراليين ذوي العقلية العلمانية في مصر والمسيحيين الأقباط”.
وتابع” لقد تم منحهم على الأقل بعض الحماية في ظل النظام الاستبدادي القديم، وقد اختفت الآن، مع القليل من الأسباب حتى الآن للثقة في الوعود بشأن سيادة القانون والضوابط والتوازنات والحقوق الفردية”.
وواصل “مل هذا على وجه التحديد وقع بسبب النجاح الانتخابي لجماعة الإخوان المسلمين”، بحسب ما أورده المقال.
واستعرض الكاتب في مقاله قائلا” فاز مرسي بالفعل بالمصادقة على الدستور الجديد – لصالح الديمقراطية وطمأنة منافسي الحزب الأضعف.
وقال أيضا أنه كان يجب مرسي أن يجلب حكومة وحدة قبل انتخابات أخرى.
وتساءل الكاتب” لماذا رفض الرئيس المصري انذاك نصائح الغنوشي لتجسيد الديمقراطية وكسب البقاء في المسار من خلال ابرام اتفاقات مع خصومه السياسيين في الوقت الذي كان قد اعلمه فيه الغنوشي انه قال له ” أن ديمقراطية الاجماع افضل من ديمقراطية الاغلبية”.
وقال باتريك “رفض مرسي هذه النصيحة، مقتنعًا بأن التنازل عن السلطة تحت تهديد الاحتجاجات سيكون استسلامًا للابتزاز السياسي ويشكل سابقة خطيرة”.
وأوضح الكاتب ” لو اتبع مرسي نصيحة الغنوشي، فربما كان بإمكانه نزع فتيل الاحتجاجات التي ملأت الشوارع في تلك الفترة، مطالبًا بالإطاحة به، أو على الأقل كسب المزيد من الليبراليين المصريين”.
وأشار أيضا “في 3 جويلية 2013، أطاح اللواء عبد الفتاح السيسي – الرئيس الحالي لمصر ربما مدى الحياة – بمرسي من السلطة، منهياً تجربة مصر التي استمرت ثلاثين شهرًا مع الديمقراطية والحرية”.
وأشار إلى قتل السيسي لأكثر من ألف إسلامي مصري في الشوارع لمعارضتهم الانقلاب وسُجن عشرات الآلاف. وطالب أولئك الذين كانوا سريين أو في المنفى بالانتقام من الفصائل الليبرالية ظاهريًا التي دعمت في البداية استيلاء السيسي على السلطة.
وأشارت المجلة بخصوص الغنوشي ” لكن راشد ما زال يحث على المصالحة.
وأشارت في المقال إلى أنه قال للصحفي “السفينة المصرية بحاجة إلى ضم جميع المصريين وعدم إلقاء بعضهم في الماء.. لا ينبغي أن يكون هناك عقاب جماعي علاج الديمقراطية الفاشلة هو المزيد من الديمقراطية “.
وجاء في المقال أيضا انه في الأشهر التي أعقبت “الانقلاب المصري” تعثرت ثورة الربيع العربي تلو الأخرى في اليأس والتطرف – وهو انعكاس لعام 2011، عندما أثار اعتصام ميدان التحرير حركات الديمقراطية في العواصم في جميع أنحاء المنطقة”.
وجاء في المقال أن تونس كانت هي الاستثناء من المنعطف المظلم بعد الانقلاب.
واعتبر كاتب المقال أن ذلك يرجع جزئيًا إلى أن الغنوشي اتبع نصيحته الخاصة هناك في العام التالي وفاز الحزب الإسلامي الذي شارك في تأسيسه وقيادته بالدور المهيمن في البرلمان الانتقالي.
واستعرض المقال أنه بحلول أواخر عام 2013، أدت اغتيالات اثنين من السياسيين العلمانيين ذوي الميول اليسارية إلى وقف العملية السياسية وصياغة الدستور.
وذكر المقال أن المعارضين اشتبهوا في قيام متطرفين إسلاميين بتنفيذ عمليات القتل، وألقوا باللوم على النهضة لفشلها في منعها.
وأشارت الصحيفة إلى أن الغنوشي الذي لم يكن يشغل أي منصب منتخب في ذلك الوقت تحدى الكثيرين في حزبه للتوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع الزعيم الرئيسي للمعارضة العلمانية.
وأشار المقال إلى أنه سلم السلطة طواعية إلى حكومة تصريف أعمال للإشراف على انتخابات جديدة ليكسر بذلك امتياز الغنوشي المأزق الذي تمر به البلاد.
وأشار المثال إلى أن انتفاضة الربيع العربي في تونس الوحيدة التي بدا أنها نجحت وحصلت منظمات المجتمع المدني التي ساعدت في رعاية المحادثات بين الغنوشي والمعارضة على جائزة نوبل للسلام.
وذكر المقال تصريح الغنوشي في زيارته التي أداها إلى واشنطن عندما قال “نحن لسنا ملائكة..نود الحصول على السلطة، لكننا نعتقد بشدة أن الدستور الديمقراطي أكثر أهمية “.
ويرى الكاتب أن قيادة الغنوشي للنهضة جعلت منه مثالاً فريدًا لما أسماه البعض الإسلاموية الليبرالية.
وقال الكاتب ” في الواقع، ساعد الغنوشي في إقناع قادة النهضة بالتخلي عن تسمية الإسلاميين والبدء في وصف أنفسهم بأنهم ديمقراطيون مسلمون.
وأشار الكاتب في هذا الصدد إلى المقال الذي نشره الغنوشي في Foreign Affairs والذي كان قد شرح فيه هذا التغيير على مستوى الحركة التغيير.
وجاء في المقال أن باتريك عندما التقى بالغنوشي في عام 2014 كان قد أشار له أن تونس كانت واحدة من الدساتير العربية القليلة التي لم تشر إلى الشريعة الإسلامية.
وقال الكاتب ” وأكد لي أن تونس تضمن الحريات للمساجد والكنائس والمعابد اليهودية وحتى الحانات”.
وواصل الصحفي في المقال ” لم يصل إلى حد تأييد زواج المثليين لكنه وصف الحياة الجنسية بأنها مسألة شخصية بحتة وموقف أكثر ليبرالية من الموقف الذي اتخذته أي حكومة عربية تقريبًا”.
وذكر الكاتب في المقال أن العمليات الارهابية التي اثرت على السياحة وأزمة كوفيد كانت هي السبب في الازمة ومع تقاعس الحكومات كان الرد عنيفا تجاه الطبقات السياسية بالبلاد ومنها النهضة على وجه الخصوص
أدت سنوات من التقاعس النسبي من قبل الحكومة المؤقتة التونسية وخلفائها إلى رد فعل عنيف ضد الطبقة السياسية بأكملها، وخاصة ضد النهضة.
وكشف المقال أيضا بأنه خلال الانتخابات في عام 2019، اتخذ الغنوشي أيضًا قرارًا مشكوكًا فيه بالسعي للحصول على مقعد في البرلمان ثم تم اختياره رئيسًا له.
وذكر المقال ما أشار اليه عالم الإسلام السياسي في المنفى من مصر وهو الآن أستاذ زائر في جامعة هارفاردعماد شاهين “أن البرلمان كان سيركًا وليس مكانًا لرئاسة زعيم من عيار الغنوشي الفكري وقد استهلكته السياسة التافهة”.
وجاء في المقال أيضا انه في انتخابات 2019، رفض الناخبون كل مرشح رئاسي شغل منصب صلب الدولة ذهب اثنان من الشعبويين وهما نبيل القروي وقيس سعيد ليحصلوا معًا على ثلث الأصوات إلى جولة الإعادة.
وقال باتريك ” سعيد هو معكوس للغنوشي لقد تجنب أي فلسفة سياسية أو فصيل معروف، إنه ينتقد الغرب بشكل روتيني، ويوجه انتقادات لاذعة خاصة نحو صندوق النقد الدولي، الذي تحتاج تونس الآن بشدة إلى دعمه”.
وتعليقا على دستوره قال الكاتب” يعد دستوره بأن الدولة ستعمل على تحقيق أهداف الإسلام الخالص ويمنح الحكومة السيطرة على التفسير والتعليم الإسلامي. وقد وصف المثليين بأنهم منحرفون وأيد تجريم المثلية الجنسية”.
وجاء في المقال أيضا ” هذا العام، في تعديله الخاص لـ «نظرية الاستبدال»، أطلق سعيد موجة من العنف ضد السود من خلال استبدال المهاجرين الأفارقة ذوي البشرة الداكنة بالمتاعب الاقتصادية في تونس”.
وانتقد الكاتب الصحفي في المقال سياسة الرئيس قيس سعيد من الاعلان عن الاجراءات الاستثنائية إلى يومنا هذا.
وقال في هذا الاطار ” اتخذ سعيد في البداية أزمة الوباء كذريعة لحل البرلمان والحكم بمرسوم”.
وتابع ” لم يمض وقت طويل قبل أن يبدأ في احتجاز قائمة طويلة من النقاد والمعارضين، وبلغت ذروتها هذا الأسبوع مع الغنوشي .. تتعلق جريمته المزعومة بتصريح أدلى به نهاية الأسبوع الماضي: «تونس بدون النهضة، بدون إسلام سياسي، بدون اليسار أو أي من مكوناتها مشروع حرب أهلية». وقال حزبه في بيان إنه قبل وقت قصير من الإفطار يوم الاثنين، أقدس ليلة في رمضان، داهم أكثر من 100 شرطي يرتدون ملابس مدنية منزله”.
وتابع “بعد يومين في الحجز، تم استجواب الغنوشي، البالغ من العمر الآن 81 عامًا، لمدة ثماني ساعات وتم ايداعه بالسجن”.
وذكر المقال أن الغنوشي اتهم في البداية بالتحريض، ويواجه الآن اتهامات بالتآمر ضد أمن الدولة وهي جريمة يمكن أن يعاقب عليها بالإعدام.
وجاء في ختام المقال “الضربة للديمقراطية التونسية واضحة. لكن سجن زعيم فريد مثل الغنوشي يمثل أيضًا نكسة للعالم الأوسع”.
وتابع الكاتب ” بالنسبة للإسلاميين الذين يتبنون العنف، فإن سجنه هو تبرئة ودليل جديد على عدم جدوى صناديق الاقتراع وإسكات صوته خسارة للغرب أيضًا”.
وأوضح الكاتب في أخر المقال أيضا ” قال لي مؤرخ السياسة الخارجية الأمريكيةروبرت كاجان ” الزواج من الإسلام والليبرالية والحكم الديمقراطي، هو حل مشاكلنا في العالم العربي، وهو حل مشكلتهم معنا”.
واستخلص الكاتب ” كان هذا أيضًا الأمل الذي حاول الغنوشي إنقاذه في مصر قبل عشر سنوات”.