بتهمة الاعتداء على أمن الدولة، تقرر فجر يوم أمس الخميس 21 افريل 2023 اصدار بطاقة ايداع بالسجن في حق رئيس حزب حركة النهضة ورئيس البرلمان المنحل راشد الغنوشي. وجاء الحكم بعد أن تم ايقاف الغنوشي يوم الاثنين المنقضي وتفتيش منزله من ثمة اقتحام مقر حزب حركة النهضة ليتم في وقت لاحق اقرار منع الاجتماعات والتظاهرات بمقر الحركة وبمقر جبهة الخلاص الوطني.
ويأتي ايقاف الغنوشي ومن ثمة محاكمته مباشرة بعد تسريب مقطع فيديو قال فيه إنّ “هناك إعاقة فكرية وإيديولوجية في تونس تؤسّس للحرب الأهلية.. لا تصوّر لتونس بدون طرف أو ذاك، تونس بدون نهضة، تونس بدون إسلام سياسي، تونس بدون يسار، أو أي مكوّن، هي مشروع لحرب أهلية، هذا إجرام في الحقيقة”.
وجاءت تصريحات الغنوشي التي تم بناء عليها ايقافه على خلفية مداخلته في مسامرة نظمتها جبهة الخلاص الوطني مساء السبت 15 أفريل 2023، ليتم بعد الانتهاء منها تسريب مقطع الفيديو الذي تحركت بناء عليه النيابة العمومية.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد اعلن مساء أمس الخميس في الكلمة التي القاها بمناسبة عيد الفطر رفضه بشدة الانتقادات التي صدرت عن “بعض العواصم والجهات إثر الإيقافات الأخيرة” واعتبره تدخلا غير مقبول “في شؤوننا” بحسب تعبيره.
وكانت أحزاب تونسية على رأسها حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني نددت بإصدار مذكرة إيداع بالسجن في حق راشد الغنوشي، فيما كانت أطراف دولية عدة بينها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة انتقدت توقيفه، مدافعا بذلك عن كل الاجراءات التي اتخذها في حق الموقوفين.
تعليقات محللين وسياسيين عن ايقاف الغنوشي وقرار ايداعه بالسجن
على اثر عملية الايقاف كانت التحقيقات قد شملت في هذا الملف 12 شخصًا بتهمة “الاعتداء على أمن الدولة الداخلي والاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضًا”، ومن بينهم الغنوشي وعدد من السياسيين الآخرين، ولتتواتر على اثر ذلك ردود فعل النشطاء والمحللين والسياسيين للتعليق على المسألة.
في هذا السياق، أوضح محمد الحامدي، السياسي والقيادي المستقيل من حزب التيار الديمقراطي أنّه “حتى في التسعينيات، اعتقد البعض أنّ (هذا لا يحدث إلا للآخرين)، والبقية تعرفونها.. من لم تسعفه المبادىء فلتسعفه الحصافة والاستعداد للبلاء قبل وقوعه والاتعاظ من التاريخ” بحسب تعبيره.
وتابع الحامدي في تدوينة نشرها عبر حسابه الخاص بموقع فايسبوك “لا ينحصر الأمر في استهداف النهضة كما يوهم البعض نفسه بل سيطال كل الأحزاب والمنظمات والجمعيات والإعلام وكل الخارجين عن الخط التحريري للسلطة، وسيطال اتحاد الشغل (الأمر عدد 50 لسنة 1978 المنظم للطوارىء وضع في الأصل يوم 26 جانفي/ يناير 1978 لخنق اتحاد الشغل.. ويقينًا سيُستعمل مجددًا مع أدوات أخرى لأهداف مماثلة)”، على حد تقديره.
من جانبه قال السياسي التونسي الهاشمي الحامدي بخصوص محاكمة الغنوشي في تدوينة نشرها عبر صفحته بموقع فايسبوك “بحسب سلطات الانقلاب في تونس، راشد الغنوشي متهم بأنه صرح أن الإقصاء السياسي لحزبه أو لتيارات فكرية أخرى أمر يقود إلى الحرب الأهلية”.
وتابع الحامدي في التدوينة “بدل سجن الغنوشي والتنكيل به، كان بوسع قيس سعيّد شخصيًا أن يخطب أمام واحد من وزرائه وضيوفه كما يفعل عادة، ويرد على الغنوشي، ويقول إن الإقصاء السياسي خيار عبقري حكيم يقود إلى الرقي والازدهار وحل مشاكل الاقتصاد التونسي، فيكون بذلك الأمر رأيًا برأي، وليسا رأيًا بسجن”.
واختتم الحامدي تدوينته بالقول ” لا نريد أن تصبح تونس سجنًا كبيرًا لمواطنيها مثل بعض الدول الشقيقة الأخرى. هذا عيب كبير في حق بلادنا” وفق تدوينته.
وقال الكاتب والمحلّل السياسي عبد الواحد اليحياوي في نفس السياق “غبي أو سيء النية، من يعتقد أن الدفاع عن الديمقراطية والحق في المحاكمة العادلة هو دفاع عن راشد الغنوشي، من يعتقد أن نقد أخطاء راشد الغنوشي وكل الطبقة السياسية التي أدارت مسار الانتقال الديمقراطي هو دفاع عن الانقلاب.
وتابع اليحياوي في هذا الصدد ” الدفاع عن الديمقراطية والحق في المحاكمة العادلة هو دفاع عن حق كل التونسيين بما فيهم الأغبياء سيئي النية في حياة حرة وكريمة” وفقه.
وقال اليحياوي في تدوينة اخرى سبقت هذه الأخيرة أنّ “إيقاف راشد الغنوشي بسبب تصريحات اعتبرت تحريضية وهو الذي كلما تكلم أخطأ ولا أعرف كيف يعتبره البعض سياسيًا محنكًا”، حسب رأيه.
وتابع قائلا ” في الأثناء انطلق مهرجان الشماتة مما يؤكد أن الكراهية لا تزال تحتل كل يوم المزيد من المساحة في حياتنا الفردية والجماعية.. تونس ستنام الليلة وهي أكثر انقسامًا وتبادلًا للحقد والكراهية” على حد تعبيره.
من جانب أخر أبدى الاعلامي التونسي بشبكة الجزيرة محمد كريشان رأيه على قرار الاعتقال والحكم وقرار اغلاق مقرات جبهة الخلاص والنهضة في تدوينة قائلا ” اعتقال راشد الغنوشي وإغلاق مكاتب حركة النهضة ومقر جبهة الخلاص الوطني بعد سلسلة الاعتقالات السياسية السابقة، قتلٌ متعمّد للسياسة في تونس”.
وتابع كريشان في تدوينته بالقول “لو كان القمع حلًاّ لرأيناه ناجعًا من قبل، هو فقط يكشف إفلاسًا سياسيًا مخيفًا، أما تأييده وتبريره، بل وإظهار الشماتة، فيكشف إفلاسًا أخلاقيًا مرعبًا”، بحسب تعبيره.
أطراف دولية تندد بقرار ايقاف الغنوشي وتبدي قلقها من تراجع الديموقراطية في تونس
من جانب اخر لم يحظى قرار ايداع الغنوشي بالسجن دوليا بالترحيب، حيث أعلنت عديد الدول والاطراف الخارجية رفضها للقرار المذكور، مبدية قلقها من تعرقل مسار الديمقراطية في تونس خاصة وأن الايقاف جاء بناء على تصريح من طرف الغنوشي.
في هذا الصدد استنكرت الولايات المتحدة الأمريكية مساء الأربعاء القرار معتبرة أن ما يحدث في تونس يعتبر “تصعيدا مقلقا”، ويأتي هذا بعد سجن حوالي 20 معارضا وشخصيات أخرى بينهم رجال أعمال ومدير اذاعة ” موزاييك” الصحفي نور الدين بوطار منذ مطلع شهر فيفري 2023.
وأكدت الخارجية الأمريكية في البيان الذي أصدرته أن “عمليات التوقيف التي تنفذها الحكومة التونسية لمعارضين ومنتقدين تتعارض تماما مع المبادئ التي تبناها التونسيون في دستور يضمن حرية الرأي والفكر والتعبير”.
من جانب أخر، أعرب الاتحاد الأوروبي عن “قلقه” الكبير يوم الثلاثاء المنقضي مباشرة بعد بعد توقيف رئيس الحركة راشد الغنوشي، مذكرا بأهمية “المبدأ الأساسي للتعددية السياسية” بحسب ما جاء في بيان صحفي، معربا عن انتظاره صدور معطيات رسمية حول أسباب ايقاف السلطات التونسية للغنوشي.
وجاء في تصريح للمتحدث باسم الاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لويس ميغيل بوينو، نشر بالموقع الرسمي للاتحاد أنه “في انتظار صدور معطيات رسمية حول أسباب توقيف الغنوشي، ونذكّر بضرورة احترام حقوق الدفاع وضمان الحق في محاكمة عادلة”.
وشدد على “ضرورة احترام مبدأ التعددية السياسية وعلى أن هذه المبادئ تعد ركيزة أساسية في كل الديمقراطيات وهي أساس الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي”.لافتا إلى أنهم “يتابعون بانشغال التطورات الأخيرة في تونس بعد توقيف الغنوشي وغلق مقر الحركة بالعاصمة تونس”، ومعتبرا أن ذلك “يضاف لسلسة الإيقافات التي شملت مؤخرا ناشطين مختلف مجموعات المعارضة”.
ولم يتوقف تنديد الأطراف الخارجية هنا فقط، فقد أعربت فرنسا إن عملية الايقاف هذه هي “جزء من حملة توقيفات مقلقة” مؤكدة “تمسكها بحرية التعبير واحترام سيادة القانون”.
وحذرت بدورها وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الجمعة من تراجع تونس عن أسسها الديمقراطية، بعد إيقاف الغنوشي.
وقالت بيربوك في ندوة صحفية انتظمت إن برلين تشعر “بأكبر قدر من القلق” حيال عملية ايقاف رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وقرار ايداعه بالسجن، وأضافت وزيرة الخارجية بأنه “يجب عدم خسارة الإنجازات الديمقراطية التي تحققت في تونس منذ 2011”.
مجموعة من المكاسب التي حظيت بها تونس دون غيرها من بين كل الدول العربية خلال سنة 2011 يبدو أنها بدأت في التصدع خاصة مع محاكمة المعارضة السياسية للرئيس في تونس بناء على التصريحات، وبناء على هذا هل يمكن القول اليوم ان تهمة التأمر على أمن الدولة، هي أيضا نص قانوني جديد ينضاف الى قائمة النصوص المهددة لحرية التعبيره كالمرسوم 54.