سياسةمحلية

كمال اللطيف.. شبح يخيف به السياسيون الرأي العام أم حقيقة تشكك في تاريخ أنظمة الحكم في تونس

أثارت عملية اعتقال أحد أبرز الشخصيات ذات الوزن في تونس خلال اليومين الأخيرين جدلا واسعا  على وسائل التواصل الاجتماعي، عن كمال اللطيف،  بين مؤيد للعملية متعلل بنفوذ هذا الرجل ونفاذه في البلاد منذ رحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ما قبل ذلك إلى اليوم، وبين معارض يشير إلى أن الرجل صاحب أعمال في البلاد، لا دور له في هذه المشهدية التي تعيشها تونس منذ أكثر من 10 سنوات، معللين ذلك بإقدام ما يعرف بـ”سلطة الانقلاب” إيهام الرأي العام التونسي بأن المحاسبة سارية المفعول على ما نكلوا بالشعب.

محاولات لإعادة بن علي إلى السلطة خلال الثورة

بالعودة إلى الرجل الأخير وما يقوم به، لا يمكن الجزم أبدأ بأن اللطيف المثير للجدل بريئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب بعد ما شاهده التونسيون خلال العشرية الماضية من ترد للأوضاع السياسية والاجتماعية بالبلاد، وتوافد أكثر من عشر حكومات على القصبة وسط فشل سياسي ذريع في تحقيق تغيير بالبلاد.

في هذا السياق أيضا، لا يمكن أن ننسى دور الرجل في المعادلة في آخر تسريبات كشفت عنها قناة “بي بي سي” لآخر اتصالات الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، حينما كان يردد على سماعة الهاتف خلال اتصاله بهذا الأخير قائلا ” يا كمال خويا نرجع.. نرجع والا مانرجعش قلي”، بأسلوب طغى عليه الخوف وكأنما يلتمس من الرجل الغريب إشارة ضوئية خضراء تتيح له العودة لتولي مقاليد السلطة بالبلاد.

قد يوحي كل هذا إلى أن الرجل تلاحقه شبهات عديدة، وفي نفس الوقت قد يحيلنا إلى براءته خاصة وأنه لم يسبق له أن تحدث أو ظهر على الرأي العام التونسي ظهورا إعلاميا يفصل فيه شيئا أو يوجه في حركة سياسية بالبلاد، كما أن الأطراف السياسية التي أدارت شؤون البلاد على مدار السنوات الفارطة لم تكشف أي تفاصيل عن وجود أطراف خفية تلعب أدوارها لفائدة الخارج، كما كان قد أعلن عن ذاك رئيس الدولة ليلة البارحة أثناء توجيهه لهؤلاء الأشخاص تهم التأمر ومحاولة اغتيال الرئيس.

دور محوري في الانقلاب على بورقيبة

بالعودة إلى أرشيف الصحافة التونسية في لقاء خاص له مع جريدة الحياة في بتاريخ 6 ماي 2011، كان لطيف قد صرح في حوار خاص “بعد أحداث انتفاضة الخبز الدامية أقنعت رئيس الوزراء محمد مزالي باستدعاء بن علي الذي كان قد تولى منصب مدير عام الأمن الوطني في أعقاب الاضراب العام الذي شنه الاتحاد العام التونسي للشغل، اتحاد العمال، في 1978.

وتابع اللطيف: “وافق مزالي فعدتُ إلى مكتبي وهاتفتُ بن علي الذي كان سفيراً في وارسو لأزفّ له القرار، كان الهاجس الأمني هو الذي يُؤرق التونسيين وبخاصة أوساط رجال الأعمال بعد أعمال النهب والحرق التي رافقت ثورة الخبز، وبدا أن بن علي العارف بالملف الأمني، باعتباره شغل منصب مدير المخابرات العسكرية بين 1958 و1974، هو الرجل المناسب لتولي تلك المسؤولية الدقيقة”.

وواصل في الحوار “ومنذ تلك اللحظة تسلّق الرجل سريعاً درجات السلّم من وزير مكلف بالأمن لدى وزير الداخلية إلى وزير داخلية، فرئيس وزراء في 2 أكتوبر 1987 حتى تربّع على سدة الرئاسة بعد 35 يوماً فقط من تسلّمه رئاسة الوزراء”.

هكذا كان ظهور اللطيف في حياة الرئيس المنقلب على الزعيم الحبيب بورقيبة، وبحسب التاريخ وبعض المصادر كان حاضرا أيضا في اجتماعات بن علي الأخيرة في بعض المكاتب التابعة للحرس الوطني بالعوينة أيام الانقلاب رفقة شخصيات أمنية وعسكرية أخرى.

يقول كمال لطيف في شهادته حول أيام بن علي والانقلاب “اجتمعنا نحن الخمسة وناقشنا الوضع، فقلتُ إن المركب يترنح وعلينا إنقاذه، وأبدى عمار استعداده للمساهمة في إنجاح الحركة ميدانياً، أما البكوش فكان متردداً وحذراً، في اليوم التالي، قابل بن علي الرئيس، فكان اللقاء مُحبطاً لأنه انتقده بشدة وأهانه، هاتفني بعد اللقاء والتقينا على انفراد. شجعته على الحسم قبل فوات الأوان”.

في السياق السلطوي وإدارة الحكم بالبلاد، هكذا كان ظهور كمال اللطيف في حياة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي من النهايات وأثناء اجتماعه به في مطبخ ابنته قبيل رحيله إلى السعودية والاتصالات الهاتفية التي جرت بينهما، إلى البدايات أين أطلق له شارة ضوئية مفادها تولي السلطة تحت شعار التحول المبارك.

كمال اللطيف.. علاقة غامضة بمسار الحكم في تونس

يبقى السؤال المطروح، إذا كان اللطيف فاعلا في هاذين المشهدين وفي مشهد ما بعد رحيل الرئيس بن علي، فهل كان حركة المرور التي نظمت إجراءات 25 جويلية 2021، وهل يمكن أن يكون قد ساهم إلى حد ما في مسألة من ضمن المسائل تلك، فإن كان الأمر هكذا فقد يدفعنا مباشرة إلى التدقيق في مسار الحكم في تونس من عهد محمد مزالي والحبيب بورقيبة إلى حد لحظات اعتقاله هو وعدد من الشخصيات السياسية والدبلوماسيين، وإن كان هكذا فهل يمكن القول بأن الراحلة التونسية استقلت في سيرها عن كل معيقيها؟

بعد كل هذه الأسئلة المطروحة، تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الحالي ومساره في خضم مفاوضات مع صندوق النقد وفرض إصلاحات اقتصادية موجعة، فمالمانع في توظيف مسرحية القبض عن رأس الخراب عشية الإعلان عن ماهو أشد قسوة مما مضى على السلطة للشعب التونسي، أي الاصلاحات الكبرى ورفع الدعم والخوصصة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى