سياسةمحلية

الرحلة بلا قافلة.. الرئيس يسير إلى البرلمان دون أنصاره

يذكرنا المسار الذي اختاره رئيس الجمهورية قيس سعيد بذات المسار الذي كان قد سار فيه بطل رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، على غير منهج، معتمدا على مجموعة من النصوص والقصص الذي جاء به شعر الحماسة وأدب معرة النعمان، من المتنبي إلى المعري ودون أي انتقال إلى ما جاء في برامج التكوين الجامعية.

ولم يختلف الأمر كثيرا في ادارة الشان العام في البلاد، فبرنامج الرئيس قيس سعيد لم يتجاوز البرامج السياسية التي عزم على تنفيذها مذ توليه ادارة الشان العام بالبلاد عندما استحوذ على كل السلطات بتاريخ 25 جويلية 2021، من الاستشارة الالكترونية إلى الاستفتاء الشعبي مرورا بدستور جديد وانتخابات تشريعية على دورتين باءت بالفشل، دونما اطلاق أي برامج اصلاح اقتصادي يمكن أن تحدث تغييرا في سياسة دولة اقتصادية واجتماعية ميتة على حد تعبير الناشط السياسي الصافي سعيد.

أنصار الرئيس خارج البرلمان الجديد ونسب الاقتراع غير كافية

وبالعودة إلى العملية الانتخابية وحيثياتها، وبناء على معطيات الاقتراع ونسبة المشاركة في تشريعية البرلمان الجديد التي لم تتجاوز 11 في المائة، يبدو أن مسار الرئيس حظي بفشل فادح في هذه التجربة وهذا المسار، خاصة وأن الصندوق قرر اقصاء داعميه في هذا المسار، وقرر الكشف عن حقيقة أنصار الرئيس الذين حولتهم الدعاية السياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام إلى ملايين، والذين لم يتجاوزا – بحسب العملية الانتخابية الاخيرة – 11 شخصا من كل 100 مواطن تونسي.

في هذا الصدد، وبالعودة إلى الخطاب الذي أجراه الرئيس يوم أمس الثلاثاء 31 جانفي 2023 بثكنة الحرس الوطني بالعوينة، يبدو من الواضح أن الرئيس تأثر بما تعرض له أحد أبرز مفسري حملته، أحمد شفتر بجرجيس، وذلك على اثر خسارته في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية بصفة نهائية، كنتيجة لضغب أهالي الجهة على عدم تولي السلطة التحقيق بجد في ملف الفاجعة وكشف حيثيات انقلاب القارب الحامل لـ 18 شخصا.

نظام الخطاب في احتواء الغضب.. الرئيس لأهالي جرجيس

في الخطاب الذي ألقاه الرئيس هناك، كان التعرض إلى فاجعة جرجيس من ضمن المواضيع الأكثر حضورا وحضيانا بالاهتمام والتي سلط عليها الضوء بطريقة خاصة، وليشرع بذلك في سرد رواية اختلفت كثيرا عن رواية أن العملية كانت عادية ولا صحة لما يتم تداوله بشأن عملية غرق القارب بفعل فاعل.

ففي وقت سابق كان الرئيس قيس سعيد قد صرح بأن من حدث في فاجعة جرجيس هو حادثة عادية سببها أن القارب كان محملا بأكثر من طاقته، وليتغير من بعد ذلك خطابه إلى أن العملية كانت بفعل فاعل يتأمر على أمن الدولة ويستثمر في بؤس الناس وفقرهم.

ويأتي تعرض الرئيس لما حدث في فاجعة جرجيس بعد يوم من اعلان هيئة الانتخابات عن النتائج النهاية للانتخابات التشريعية، وبعد التأكد من هزيمة أحد أبرز مفسري مشروعه، ومن نصب نفسه رئيسا للبرلمان قبيل الاستحقاق الانتخابي بأشهر، مشددا في السياق ذاته على ضرورة كشف الحقيقة وأنه يتعرض إلى مؤامرة ومتاجرة.

ويتعرض الرئيس للفاجعة وكانه يريد أن يعرب عن أن انتقامية أهالي جرجيس في العملية الانتخابية من أحد أبرز أنصار الرئيس هو الدافع في توجهه بخطاب للاهالي حول الفاجعة ودعوتهم إلى الوقوف في صفه لاحباط مخططات من يتأمرون على أمن الدولة، مشيرا في السياق ذاته إلى وجود مؤامرة ضده وضد الأهالي دون الكشف عن حيثياتها أو تفاصيلها.

ولم يكن أحمد شفتر هو المفسر الوحيد لأجندات الرئيس والذي أقصاه الصندوق من العملية الانتخابية، فمن ضمن الأسماء أيضا المرشح للدور الثاني عن صفاقس سرحان الناصري، أحد أبرز الوجوه المألوفة التي سارت مع الرئيس قيس سعيد في برنامجه السياسي، اضافة إلى أعداد اخرى من المرشحين عن أحزاب وأفراد.

بناء على معطيات اقصاء أنصار الرئيس من المشهد البرلماني وبناء على نسب المشاركة في الدورين الأول والثاني من الانتخابات التشريعية التي جاءت تتويجا لأنصار الرئيس، مازال العديد ممن هم في المعارضة ومن هم خارج تونس يعتبرون البرلمان خروجا عن الشرعية ومألوفها.

ومع هذا وذاك، يستغل الرئيس حجة أخرى للدفاع عن برنامجه السياسي واستحقاقه الانتخابي، مفادها أن التونسيين سئموا كل أشكال وعمليات الاقتراع وملوا مسائل التشريع والبرلمانات، ولعل الأمر يتوقف عن مقاربة وأهم وهي أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية على مدار السنوات الفارطة تردت أكثر، وهو الأمر الذي دفع عديد الناس إلى مقاطعة العملية الانتخابية، بحجة أخرى يتداولها العديد، مفادها أن كل مرشح يتحول إلى مسؤول، تتبدل ملامحه وبرامجه ويتغافل عما يشغل الصالح العام.

يواصل الرئيس جولته في هذه المشهدية السياسية، ولعله كم يحتاج إلى ابن من أبناء معرة نعمان القرن الحادي والعشرين، لينقل تفاصيل سيره وهو على السلطة خارج المطلبية الشعبية والاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، أو أي شخص اخر يمكن أن يكشف للرأي العام التونسي بالتفصيل وبكل موضوعية خطواته على غير منهج كما كان يسير بطله الذي طلب أن يحمل إلى الجنة زقفونة، ابن القارح، ذلك الذي رسم على شخصه سياسة حكمه وتصوراته وبرنامجه السياسي، دون علم بان المعري كان قد قال في أول فصول رسالته، بانه يسير “على غير منهج؟”.

إسكندر نوار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى