سياسةمحلية

ذكرى الثورة التونسية قربان لمسار 25 جويلية

الصعود على قارب الثورة لخدمة مشروع سياسي بالبلاد، ربما تكون هذه العبارة الأبرز التي يمكن اعتمادها في خضم ما شهدته تونس أمس السبت 17 ديسمبر 2022، ولا يمكن أن ننسى ما حدث في مثل يوم أمس من عام 2021، عندما توجه الرئيس التونسي قيس سعيد إلى ولاية سيدي بوزيد بعد أشهر من اعلانه الاجراءات الاستثنائية.

وكان الرئيس في تلك الزيارة قد أعلن رسميا، بموجب مرسوم رئاسي، تغيير ذكرى الثورة التونسية من 14 جانفي تارييخ رحيل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، إلى 17 جانفي تاريخ أول شرارة للثورة التونسية التي كانت قد انطلقت من سيدي بوزيد.

وكان الرئيس قد عمد بهكذا طريقة على السطو على الذاكرة الشعبية، ليعلن عن مسار جديد تعهد فيه لجل التونسيين استعادة المسار الثوري واصلاح ما تم تدميره على مدار العشر سنوات الفارطة، ليقوم في العام التالي بالسطو على الذكرى بتنظيم انتخابات تشريعية بدل احيائها، وليؤجل مظاهر الاحتفال إلى اليوم التالي من عملية الاقتراع.

وبهذا من المفترض أن تعيش اليوم ولاية سيدي بوزيد على وقع الاحتفالات بعيد الثورة التونسية، بقيمة مخالفة تماما، خلاصتها أن نسب الاقتراع للانتخابات التشريعية لم تتجاوز 8.8 في المائة بحسب النتائج الأولية للهيئة ليلة أمس وبنسبة 11.8 في المائة نقلا عن شبكة مراقبون، وفي نفس الوقت خلاصتها تردي المعيشة وهيمنة الازمة الاقتصادية للبلاد، وسط تنديد دولي شاسع يقر بالانحراف التام عن مسار الثورة وما جاءت به من حريات وديمقراطية.

في هذا الاطار، وبينما كان من المفترض أن تحيي تونس أمس ذكرى انطلاقة أول ربيع عربي، وذكرى الحراك الوحيد الذي أنهى عهدة الرئيس الأسبق بن علي، يخيم الصمت الانتخابي ومعه صمت أخر تسببت فيه الخيبات واليأس التي عاشها التونسيون بعد تعاقب أكثر من عشر حكومات على قصر القصبة دون احداث أي تغيير.

“الأزمة الاقتصادية غيبت مظاهر الاحتفال بعيد الثورة”

بعيدا عن هذا وذاك، وبحسب المؤشرات الاقتصادية، يبدو أن غياب مظاهر الاحتفال سببها بالأساس هو ما بلغه الاقتصاد التونسي من مؤشرات ربما هي القياسية من نوعها من أكثر من 40 عاما في تونس.

حيث إعتبر الخبير الإقتصادي عز الدين سعيدان لتونيزيا لايف بأن تفاقم الوضع الإقتصادي في تونس أصبح يحول دون إحتفال التونسيين بذكرى ثورة 17 ديسمبر.

وقال سعيدان ” تفاقم الدين الذي أصبح مستدام أو مشط والذي حال دون قدرة تونس على تسديد الدين من ضمن العوامل التي أثرت في التونسيين”.

وواصل سعيدان ” وضمن العوامل الأخرى أيضا هي الإرتفاع الكبير في نسب البطالة بالبلاد خاصة في صفوف الشباب خاصة في صفوف الشرائح العمرية بين 15 و 24 سنة التي بلغت نسبة 42.4 %”.

وأشار سعيدان إلى أن إرتفاع الأسعار وإفلاس المؤسسات العمومية وأيضا إنهيار المقدرة الشرائية وغياب المواد الأساسية والتفاوت الطبقي وإندثار الطبقة الوسطية في المجتمع كلها عوامل ناتجة عن 11 حكومة تونسية الى حد اليوم لم تتمكن من إحداث أي تغيير  في الإقتصاد وهو من ضمن الأسباب التي يمكن أن تحول دون إحتفال التونسيين بعيد الثورة.

وواصل عز الدين سعيدان مشيرا إلى بلوغ الأوضاع الاقتصادية عموما بالبلاد أقصى الأزمة معتبرا بأن ما يعيشه التونسيين اليوم لم يحدث من أكثر من 40 عاما على وجه التقريب وهو الأمر الذي يسهم بأستمرار في ظهور اليأس بين صفوف التونسيين.

“شرعنة المسار وتطويع الذكرى للمسار الشعبوي”

هكذا هي المعطيات الاقتصادية، من ضمن الفواعل التي ربما ساعدت عمل الهيئة من حيث الصمت الذي بان على التونسيين، ولا يقف الأمر على الجانب الاقتصادي فقط وانما يتجاوز ذلك إلى ماهو اجتماعي بحت تاريخي.

في هذا الصدد، قال الخبير في الاجتماع مهدي المبروك لتونيزيا لايف بأن هنالك شكلان من مظاهر الإحتفال بعيد الثورة في تونس، وأشار الى النوع الأول وهو الإحتفالات الرسمية التي تقوم بها الدولة والإحتفالات الشعبية التي يقوم بها الموطنون في شارع الحبيب بورقيبة وفي مختلف الفضاءات العامة.

وقال المبروك ” على مدار السنوات الماضية والى حدود سنة 2019 كانت هنالك إحتفالات رسمية تقوم بها كل من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ومجلس نواب الشعب من خلال تنظيم المراسم وإستدعاء شهداء الثورة”.

وواصل المبروك ” مع وصول الرئيس قيس سعيد الى السلطة وذلك خلال سنة 2019 تم إيقاف الإحتفالات الرسمية وكان الرئيس بتاريخ 17 ديسمبر 2019 قد توجه الى ولاية سيدي بوزيد وقام على إثر تلك الزيارة باعلان 17 ديسمبر عيد الثورة التونسية بدلا عن 14 يناير”.

وقال المبروك” الرئاسة قامت بالإستيلاء على الذاكرة الشعبية وتحويرها بشكل سردي وهذا الأمر لم يعمق الشعور ققط بأن شيئا ما تلاشى أو تم تبديله وإنما أدى أيضا الى تدجين الذاكرة الجماعية”.

وأشار المبروك بأنه كان على المفترض بأن يقوم رئيس الجمهورية بحوار وطني للنظر في هذا الموضوع وإستدعاء المؤرخين للحديث في هذه المسألة المهمة، معتبرا في هذا السياق بأن خلال  زيارته آنذاك الى سيدي بوزيد كانت “دغدغته الشعبوية” ليعلن عن هكذا قرار وليسهم هذا في التأثير على المشاعر الوطنية مركزيا ومحليا وفق تعبيره.

وأوضح المبروك الى أن هذا الأمر عمق الإختلاف والانشطار بين مختلف المكونات المجتمعية حول التاريخ والذاكرة الوطنية.

وبالاضافة الى هذا قال المبروك أن غياب مظاهر الاحتفال أيضا بشارع الحبيب بورقيبة وبكل الفضاءات هي تفاقم المشاعر بالإحباط والإخفاق على مدار الـ10 سنوات الفارطة، مشيرا الى أن عامة التونسيين لم يعودوا قابلين للقوسين اللذين فتحتهما الثورة بسبب الإحباط والخيبة واليأس والمرارة.

وقال المبروك أيضا بخصوص تزامن 17 ديسمبر مع الانتخابات التشريعية ” خلال السنة الحالية وبشكل خلص تزامن مع الإنتخابات وكأن اللحظة الإنتخابية هي لحظة الثورة وهنا يظهر دور الرئيس الذي يعمل على توظيف ذكرى الثورة لصالح الإنتخابات إعتبارا منه أن هذا المسار الإنتخابي هو لحظة تاريخية”.

بصمت واسع، يحيي التونسيون الاحتفال بذكرى الثورة التونسية التي انطلقت من ذكرى سيدي بوزيد، قد يكون الأمر ضربا من ضروب تأبين الديمقراطية، وقد يكون الصمت الذي أنتجه اليأس من الاصلاح، فحتى البرلمان الجديد الذي تشبث البعض فيه ولد ميتا بعد نتائج الاقتراع الأخيرة أمس.

اسكندر نوار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى