خلال اليوم الثاني من انطلاق الحملة الانتخابية، تختلف المواقف وتتقارب بين مؤيد ومعارض لهذا المسار، في الوقت الذي أعلنته فيه هيئة الانتخابات ولايتها المطلقة على الاتسحقاق الذي تشهده البلاد.
في هذا الصدر يشير مراقبون وسياسيون إلى هذا الاستحقاق برؤية مختلفة، فكثيرة الأحزاب التي عارضت مسار الرئيس ووقفت في وجه خارطة طريقه التي أعلنها، وعارضت بعض الاحزاب الاخرى أداء الرئيس في الملفات الاجتماعية والاقتصادية لتكون شريكا في هذا الاستحقاق، وندد في السياق ذاته مراقبون بوضعية الانتخابات وضعف الترشح وبعض التحفظات.
بالرغم من هذه المواقف المختلفة، تبقى نتيجة الانتخابات محكومة بالعدد الذي سيفرزه الصندوق في 17 ديسمبر 2022، أين سترتسم الملامح الجديدة للنظام في تونس، وأين يختتم الرئيس مشوار مساره الذي أعلنه منذ 25 جويلية 2021.
” نحن نحمل الرئيس مسؤولية الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ولكننا نساند مسار 25 جويلية”
اعتبر القيادي بحركة الشعب رضا بالأغا في تصريح خاص لـ”لتونيزيا لايف” بأن هيئة الانتخابات استوفت كل الآجال القانونية التي ضبطها بالنسبة للطعون، وكانت قد نظمت ندوة صحفية كشفت فيها عن عدد المشاركين في الانتخابات وعدد الطعون وتم المرور بكل المحطات القانونية، وهو الوقت المناسب للتوجه الى الحملة الانتخابية ومن ثمة الاستحقاق الانتخابي بتاريخ 17 ديسمبر القادم.
وقال بالأغا ” المرور بكل هذه المراحل هو بمثابة الصخرة التي أزيحت من امام سيناريو تأجيل الانتخابات، وهذا الأمر هو عبارة عن حجة للذين يعتبرون بأن مسار الانتخابات لن ينجح كما كانوا قد اعتبروا من قبل سواء في استفتاء 25 يوليو المنقضي أو في الاستشارة الإلكترونية أول المسار” .
وأشار بالأغا إلى أن كل من سيحكم بالفشل على الانتخابات القادمة هو حكم على نفسه بالفناء السياسي، وفق تعبيره، مشيرا في نفس السياق الى أن حزبه ساند مسار الرئيس، ولن يعود الى الوراء أبدا، بغض النظر عن الاختلاف مع رئيس الجمهورية في مسار 25 جويلية عموما عندما لم يعمل على تحسين الجانبين الاجتماعي والاقتصادي بالبلاد وفق تعبيره.
وقال بالأغا في هذا الصدد ” نحن نحمل رئيس الجمهورية مسؤولية عدم اشتغاله عن الجانبين الاجتماعي والاقتصادي بالبلاد، وهذا أمر لا يمكن أن يتحمل مسؤوليته الا هو، وكنا قد اختلفنا معه سابقا في عديد النقاط سواء في علاقة بصياغة الدستور أو القانون الانتخابي، لكن هذا لا يعني أن الحركة ستقاطع الاستحقاقات الانتخابية، وإنما ستمضي في هذا المسار الجديد والنظام الجديد”.
وأضاف بالأغا ” بالنسبة لنا نحن نؤمن بالنظام الرئاسي المعدل والامثلة كثيرة في العالم وخاصة في أعظم الديمقراطيات، اختيار نظام رئاسي لا يعني بالضرورة التوجه نحو نظام استبدادي بقدر ما هو تكريس للديمقراطية التي يمكن أن تحقيق الرخاء الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد “.
” الانتخابات ستفرز برلمانا دون نساء وشباب وهيئة الانتخابات احتكرت الولاية على العملية الانتخابية”
من جانبه قال سيف الدين العبيدي، ممثل عن شبكة “مراقبون ” بأن للشبكة مجموعة من التحفظات على مسار 25 جويلية عموما، في إشارة الى القانون الانتخابي الذي يتضمن مجموعة من الإشكاليات وكذلك الفترة الانتخابية ومسالة الترشحات والاشكاليات في شروط الترشح وفي الدوائر.
وقال العبيدي ” اليوم على أبواب الانتخابات ومع انطلاق الحملة هنالك 10 دوائر انتخابية على المستوى الداخلي للبلاد سجلت مرشحا وحيدا ونتائجها معلومة من الآن، وهنالك أيضا 7 دون أي ترشح في الخارج”.
وأضاف العبيدي ” اليوم هنالك عدد ضئيل وضئيل جدا من الترشحات على مستوى عدد من الدوائر بمختلف محافظات البلاد وهو الأمر الذي سيقلص من إمكانية صعود المترشحين الى البرلمان خلال الانتخابات”
وأشار العبيدي الى مجموع من الإشكاليات الأخرى المتعلقة بتمويل الحملات الانتخابية للمترشحين، مع عدم وجود تمويل السلطات وكذلك منع الأحزاب من المشاركة والتمويل للمترشحين.
واعتبر العبيدي أن الخلاف الواقع بين هيئة الانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري التي ستشرف على التغطية الصحفية للحملة الانتخابية وعدم إصدار قرار مشترك بينهما من ضمن الإشكاليات الكبيرة”.
واستخلص العبيدي بأن هيئة الانتخابات اليوم متوجهة الى الولاية الكاملة والشاملة على الانتخابات دون أي طرف مشارك في العملية وهذا أمر ليس بالجيد وفق تعبيره.
وقال العبيدي بخصوص تأثيرات الاخلالات التي رصدتها الشبكة أن الانتخابات ستفرز برلمان خالي من الشباب والنساء، إضافة الى صعود بعض الأشخاص الذين تمكنوا من جمع التزكيات بواسطة امكانياتهم المالية على غرار الذين لم يتمكنوا من ذلك.
وحذر العبيدي من إمكانية وصول أشخاص الى البرلمان ليس بناء على البرامج وانما بناء على القرابة والقبلية بسبب ما سيكرسه التقسيم الجهوي للدوائر الانتخابية بمختلف ولايات البلاد”.
” الشعب يعاني من الأزمة ولا يفكر في الانتخابات ونظام الاقتراع على الأفراد غريب على التونسيين”
من جهته قال محمد الجلاصي قيادي بحزب ” الاتحاد الشعبي الجمهوري” بأن هذا المسار الذي سينطلق مع بداية الحملة الانتخابية هو جزء من الخارطة السياسية التي فرضها الرئيس قيس سعيد.
وأشار القيادي الى أن حزبه ساند مسار الرئيس في البداية في علاقة بتطبيق الفصل 80 وعارض ذلك عندما خرج بالفصل عن مساره، وفق تعبيره.
واعتبر الجلاصي بأن هذا المسار هو مسار خاطئ وغير صحيح خاصة وأن مشاكل تونس هي اقتصادية واجتماعية بحتة قبل ان تكون سياسية، وفق تقديره.
وقال الجلاصي ” يمكن لأي شخص أن يلاحظ بأن الحملة الانتخابية انطلقت والمواطن التونسي منشغل بالمشاكل الاقتصادية والاجتماعية اكثر من الانتخابات وخير دليل على ذلك هو ضعف عدد المرشحين في عديد الدوائر، ثم إن الانتخابات تأسست على نظام انتخابي واقتراعي جديد وغريب على التونسيين”.
وأضاف الجلاصي ” نظام الاقتراع عن الافراد لن يتماشى مع طبيعة الشعب التونسي خاصة وأن تونس مازالت في بداية مسارها الديمقراطي ، مع العلم ان هذا النظام ناجح في بعض الدول” .
وأشار الجلاصي في ذات السياق بأن العيوب التي شهدتها تونس في البرلمان السابق ستتكرر بدرجة أكبر خلال البرلمان القادم وبعد هذه الانتخابات، ففي السابق كان النائب يشرع على مستوى وطني أما اليوم فسيصير ثمة نواب من مختلف الجهات الأمر الذي سيحدث ربما خلافات أكثر في العهدة القادمة“.
واختتم الجلاصي قائلا ” لا يمكن ان نتحدث عن انتخابات تشريعية ومؤسسة برلمانية دون ديمقراطية تمثيلية عبر الأحزاب في البرلمان، ثم ان الرئيس ينتقد الديمقراطية التمثيلية دون تقديم أي بديل سياسي لذلك وبالتالي لا أعتقد بأن هذا المسار سيكون ناجح على مستوى المؤسسة البرلمانية”.
بين مؤيد ومعارض ومراقب ووسطي، تعيش تونس أياما معدودات قبيل الذهاب الى الصندوق، وسط مؤشرات ضعيفة في عدد المرشحين كان قد ضبطها القانون الانتخابي القاسي على حد اعتبار الكثيرين، ويظل الرئيس ماض في هذا المسار الذي سيختتم بالتشريعية التي ستفرز برلمانا جديدا.
اسكندر نوار