بعد غلق ملفها نهائيا سنة 2008، عادت قضية “تفجير لوكربي” الشهيرة إلى المشهد الليبي مجددا، بعد إعلان وسائل إعلام ليبية عن اختفاء أبو عجيلة “مسعود المريمي” في ظروف غامضة من داخل سجنه بالعاصمة طرابلس، والذي يعتبر أحد المشتبهين بهم في القضية والمطلوب للمحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية.
واقعة اختفاء “أبو عجيلة مسعود” فتحت باب المخاوف والشكوك من أن يكون ذلك له علاقة بالتحقيقات في قضية “لوكربي”، والتي تم إغلاقها بالكامل من الناحية السياسية والقانونية، حسب نص الاتفاقية التي أبرمت بين الولايات المتحدة الأمريكية والدولة الليبية بتاريخ 14 أوت 2008.
وكانت الدولة الليبية قد تكفلت بكل بتعويضات مالية ضخمة للأسر التي تضررت من العملية، والتي تمثلت في تفجير طائرة أمريكية عام 1988 أثناء تحليقها فوق منطقة لوكربي في اسكتلندا.
وتتعلق قضية “لوكربي” بتحديد هوية الأشخاص والجهات التي كانت تقف وراء تفجير الطائرة الأمريكية التي كانت آنذاك تحمل الرحلة الجوية عدد 103 بان أم، والتي وقعت بالتحديد بعد 38 دقيقة من انطلاق الطائرة من لندن تجاه نيويورك.
ولقي خلال تلك الحادثة جميع أفراد الطائرة التي كانت من طراز بوينغ 747، والذين يبلغ عددهم حوالي 259 راكبا، مصرعهم، بالإضافة إلى 11 شخصا كانوا موجودين على الأرض في موضع السقوط.
وحملت القضية إسم مدينة لوكربي الاسكتلندية أين سقط الجزء الأكبر من حطام الطائرة، والتي كانت تحلق على ارتفاع 31 ألف قدم، ليتسبب سقوطها بترك حفرة لا يقل طولها عن 143 مترا.
وتمت في سنة 2001 محاكمة المتهم الليبي عبد الباسط المقرحي بالسجن لمدة 27 عاما على الأقل، وذلك بعد إدانته بتنفيذ العملية التي اعتبرت أعنف عملية في تاريخ بريطانيا.
انطلق مسار المحاكمة ومرت القضية بعديد المحطات زمنيا، حيث أصيب منفذ العملية بمرض السرطان داخل السجن، ليتم إطلاق سراحه ويقضي أخر أيامه في ليبيا ثم يموت سنة 2012.
في مارس 2020، قضت لجنة مراجعة القضايا الجنائية الاسكتلندية بأنه يمكن أن يكون هناك استئناف جديد مع إمكانية إحالة القضية إلى محكمة العدل العليا.
وقالت اللجنة إنها نظرت في 6 أسباب للمراجعة واستخلصت أن الإخلال بالعدالة ربما حدث بسبب “حكم مبالغ فيه” و”عدم رفع السرية عن المعلومات”.
“العالم شاهد على عملية إقفال هذا الملف ولا يمكن لأي شخص مهما كانت جرأته على فتحه”
سلامة الغويل، وزير أسبق ومرشح للانتخابات الرئاسية الليبية
قال الناشط السياسي الليبي والمترشح للانتخابات الرئاسية سلامة الغويل في تصريح لـ تونيزيا لايف: “بخصوص الغاية وراء فتح ملف لوكربي.. لا أعتقد أن يكون هناك مواطن ليبي واحد أو أيا كان يقبل بأن يعاد فتح ملف لوكربي”.
واستحال الغويل قيام هذا الأمر، خاصة بعد المعاناة التي عاناها الشعب الليبي من هذا الملف، وما قدموه في سبيل إغلاقه، على حسب تعبيره.
وبخصوص إعادة فتح الملف من عدمها، قال الغويل: أعتقد أن العالم شاهد على عملية إقفال هذا الملف ولا يمكن لأي شخص مهما كانت جرأته على فتحه، لأن الملف أقفل بشهادة كل الدول والمنظمات والأطراف المتخاصمة، وقد وقع دفع التعويضات وانتهى كل شيء”.
وبخصوص ردود الأفعال في حال الإقدام على ذلك، أكد الغويل بأن الشعب الليبي وكل القوى الوطنية العاقلة والصادقة ستتوحد وستعلن الرفض المطلق لإعادة الخوض فيه”.
“هناك من يطمع في ليبيا خاصة في ظل ما تمر به البلاد من فراغ سياسي”
ماهر الشاعري، كاتب صحفي ليبي
من جانبه، قال المحلل السياسي والصحفي الليبي ماهر الشاعري لتونيزيا لايف: “في الحقيقة.. لا نعرف الأسباب الحقيقية وراء فتح ملف لوكربي من جديد بعد إنهاء كافة الأمور السياسية والقانونية وتقديم كافة التنازلات من قبل أسر الضحايا وتلقيهم التعويضات التي قدرت بقيمة مالية كبيرة جدا في فترة النظام السابق عن طريق الزعيم الراحل معمر القذافي”.
وأضاف الشاعري: “ولكن ربما هنالك من يطمع في ليبيا خاصة في ظل الظروف الراهنة وفي ظل ما تمر به البلاد من فراغ سياسي وانقسامات، وأعتقد بأن هذه الحالة هي من ضمن الأسباب المساهمة في الدعوة لإعادة فتح ملف لوكربي.
وأشار الشاعري إلى بعض البيانات التي صدرت من بعض الجهات الرسمية للدولة، لاسيما المجلس الأعلى للدولة الذي أصدر بيانا أدان فيه ذلك وخاطب مجلس النواب ومكتب النائب العام، داعيا إياه إلى ضرورة توحيد المواقف والصفوف أمام مثل هذه التصرفات التي تعتبر تجاوزا كبيرا في حق الدولة الليبية.
وقال الشاعري في الختام أن “ليبيا تعاني في هذه الفترة من فراغ سياسي كبير ومن عدم وجود سلطة منتخبة واحدة، وأعتقد بأن هذا الأمر له دور كبير في خلق أطماع كبيرة من الدولة الليبية”.
“إعادة فتح هذا الملف هي محاولة خسيسة تهدف إلى إظهار موقف معين لشخصيات معينة”
عصام الزبير، محلل سياسي ليبي
من جهته قال المحلل السياسي الليبي عصام الزبير لـ”تونيزيا لايف” أن بعض السياسيين عملوا خلال السنتين الماضيتين على إعادة فتح هذه القضية، وكان بعض أعضاء النظام السابق قد حسموا المسألة وقالوا بأن الملف قد أغلق نهائيا.
وأشار الزبير إلى أن عودة هذه القضية اليوم لا يمكن أن تبرر إلا بحالة الانفلات التي يشهدها المشهد الليبي وعدم سيطرة الدولة على كامل التراب الليبي يفتح، معتبرا أن إعادة فتح هذا الملف هي محاولة خسيسة تهدف إلى إظهار موقف معين لشخصيات معينة.
وأعرب الزبير عن استيائه من كيفية إعادة فتح الملف في ليبيا في حين أن الدولة الليبية هي التي ستكون مدانة، معربا عن استغرابه من أن يقع فتح الملف في ليبيا، مضيفا بالقول: “لا يمكن أن نستغرب من الأمر إذا كانت أمريكا قد دعت إلى فتح الملف.. لكن أن تدعو أطراف ليبية إلى ذلك فهذا أمر غريب حقيقة”.
وأردف الزبير ” لو كانت أمريكا طالبت باعادة فتح الملف لكانت ليبيا حاججتها بالإثباتات على تسوية المسألة عام 2008.. لكن أن تفتح أطراف ليبية الملف فهذا أمر غريب، مشيرا إلى أن من أقدم على فتح الملف ليس بالضرورة أن يكون له أي دراية سياسية أو قضائية، ومن الممكن أن يكون قد فعل ذلك لجلب الأنظار.
وحول انعكاسات فتح الملف، قال الزبير: “هنالك أطراف قضائية وأطراف سياسية لها دراسة بهذا الملف وأنه وقع تسويته، وبالتالي لن تكون له لا تبعات ولا انعكاسات”.
وأضاف الزبير: “أعتقد الآن أن هنالك نائب بصدد فتح القضايا التي تثير الفساد، وأعتقد بأنه سيكون هنالك تحرك قضائي، وأعتقد بأن يكون هذا التحرك من قبل مستشار الأمن القومي الذي تحدث في هذا المجال وحذر من استغلال هذه القضية لغايات شخصية ولغايات”.
واعتبر أيضا بأنه ليس هنالك أي قدرة لإعادة فتح هذا الملف وقد سبق وأن وقعت التسوية في الموضوع وتم التعويض للأسر.
واختتم الزبير بقوله: “تمت مطالبة مستشار الأمن القومي بليبيا إبراهيم بوشناف بغلق هذا الملف نهائيا، و اصطفاف كل الوطنيين والمكونات السياسية حول هذا الموضوع بعيدا عن الصراع السياسي، باعتبار وأنه لا يمكن استغلال هذا الملف للصراع السياسي، وقد سبق أن أقفل الملف باتفاقية كاملة بين ليبيا وأمريكا.
يتواصل الصراع في ليبيا بين أجسام الدولة والحكومة إلى ما لا نهاية له، ليفرز بدوره حالة من الفراغ السياسي للتشتت، ولعل هذا يفتح المجال لتوجيه أنظار الطمع إليها، لكن الليبيين بكامل توجهاتهم السياسية مطالبين في هذه اللحظات بالوقوف صفا واحدا لوضع حد لهذا الملف ولمن يثيره.