سياسة

بوعسكر والسنوسي.. حرب الشرعية بين الهيئتين قبيل أيام من الانتخابات

مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقبلة في تونس، والتي قررها الرئيس قيس سعيد ضمن ما يعرف بمسار 25 جويلية، يبلغ الزخم أقصاه في تونس ليصل حد الخلاف بين عدد من الهيئات الفاعلة في البلاد، والتي بدا وأنها – حسب عديد المحللين – تبحث عن تموقع سياسي جديد في مرحلة سيطر عليها “الهجن السياسي” إن جاز التعبير.

حيث ظهرت اليوم بدرجة أكبر ملامح الصراع بين هيئتي الانتخابات والاتصال، خاص بعد التصريحات الأخيرة التي ادلى بها عضو الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري هشام السنوسي، بخصوص تعالي هيئة الانتخابات واستقوائها على هيئة الاتصال.

هيئة الانتخابات لم تستشرنا في كيفية التغطية الإعلامية وغاب التواصل

قال عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري هشام السنوسي أن هيئة الانتخابات استقوت على هيئة الاتصال مؤكدا أنّ القانون الانتخابي تغير مع المحافظة على نفس البنود الخاصة بالتغطية الإعلامية.

واعتبر السنوسي خلال حضوره على اذاعة موزاييك أن ذلك لا يستقيم قائلا “لأنه في السابق كان التصويت على أساس القائمات واليوم التصويت على الأفراد وبالتالي هناك اشكال تقني منهجي في تغطية الانتخابات وهنا السؤال المطروح كيف سنقوم بالمناظرات والتعبير المباشر”.

 وقال السنوسي في نفس السياق ” هيئة الانتخابات لم تستشرنا في كيفية التغطية الإعلامية وغاب التواصل وأصبحت تعمل بمفردها”، مشيرا ايضا إلى ان الاختلاف كان مسالة طبيعية بين الهيئتين الا انه لم يصل من قبل إلى القطيعة “،ومعتبرا بذلك أن هيئة الانتخابات تتكبر وتتعامل مع هيئة الاتصال كتابع لها.

قلق كبير حل في صفوف اعضاء الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، مع العلم أن الدستور الجديد لم يشر إلى هيئة الاتصال، ولعل هذا الامر هو الذي كان دافعا لدى رئيس الهيئة الانتخابات  فاروق بوعسكر، في عدم العودة إلى هيئة الاتصال ودورها في الحملة الانتخابية الحالية.

ولم يتوقف الامر هنا، بل تطور أكثر لينطلق الناطق الرسمي محمد التليلي المنصري  لهيئة الانتخابات في الرد على السنوسي معتبرا أن هيئة الاتصال تسعى إلى تعطيل العملية الانتخابية، واعتبر التليلي  أن اصدار الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري للقرار التوجيهي  لتنظيم التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية التشريعية ، يعد مخالفا للفصل 67 من القانون الانتخابي . و هو حسب تعبيره فهو لا يلزم هيئة الإنتخابات وليس له أي آثار قانونية عليها.

حرب من التصريحات بين الهيئتين اندلعت مساء اليوم، افضت إلى خلاف في وجهات النظر بين ماهو قانوني وغير قانوني.

“هيئة الاتصال خارج الاطار والزمان وانتهت موضوعيا ودستوريا”

قال المحلل السياسي مراد علالة لتونيزيا لايف بأن الخلاف بين هيئتي الاتصال السمعي البصري وهيئة الانتخابات لن يؤثر في العملية الانتخابية القادمة التي تشهدها تونس.

وقال علالة ” لن يؤثر هذا الخلاف في مسار الانتخابات التشريعية التي تشهدها تونس الشهر القادم باعتبار أن قطار الانتخابات انطلق فعلا وقد رأينا حتى في الاستحقاق الدستوري أن العلاقة بين الهيئتين لم تكن جيدة”.

وأشار علالة بأن هيئة الانتخابات هي الهيئة القريبة من الرئيس واعتبر بأنها حسمت موقفها من الهيئة العليا المستقلة بالبلاد، مشيرا الى أنها هيئة خارج الاطار وخارج الزمان.

وأردف علالة قائلا ” هيئة الاتصال هي  إنتهت موضوعيا ودستوريا باعتبار أن النص الدستوري الجديد لم يتحدث عن هيئة اتصال سمعي بصري بالبلاد، كما المرسوم الذي قام باحداث هذه الهيئة ينص على أن تركيبتها تدوم ست سنوات ويجب تجديدها في حين أن القائمين عليها اليوم أبوا الخروج منها حتى بعد انقضاء الاجال القانونية التي ضبطها المرسوم “.

واشار علالة بأن حديث أعضاء الهيئة عن الديمقراطية والحريات لا يجوز ولا يستقيم باعتبار أنهم لم يحترموا الاطر القانونية التي قالت بتخليهم منذ 6 سنوات في الوقت الذي هم فيه على رأس الهيئة 9 سنوات، مؤكدا على أنهم من المفترض أن يكونوا هم النموذج في الديمقراطية ويتخلوا عن رئاستها.

وحول تنصل أعضاء الهيئة من أي انتهاكات قد تطرأ في الفترة القادمة علق علالة قائلا ” في كل المحطات الانتخابية الفارطة لا هيئة الاتصال ولا هيئة الانتخابات حسمت فيها، بل كان الطرف المسؤول عن أي خلل هو محكمة المحاسبات التي كانت دوما تنظر في الاخلالات”.

“الهايكا هي أحد اعمدة الانتخابات وهي حركة المرور الاعلامية السمعية والبصرية وما تقتضيه من مبادئ الإنصاف والنزاهة والتوزيع العادل للزمن الإعلامي”

من جانبه علق الصحفي التونسي رئيس التحرير السابق بالتلفزو الوطنية فطين حفصية قائلا  ” طبعا ماجرى هو تتويج لخلافات عميقة بين الهيئتين بدت تطفو منذ الاستفتاء لكنها سريعا ماغلفت وإن بشكل متأخر بصدور القرار المشترك “.

وواصل فطين ” في هذا الاستحقاق الانتخابي المرتقب يبدو أن الطرفين انتهجا أسلوب الأمر الواقع، فهيئة الانتخابات اختارت عدم التجاوب مع ما تقترحه الهايكا.. والهايكا توجهت في النهاية الى استصدار وثيقة توجيهية لوسائل الاعلام من جانب واحد وهو أمر مشروع لأنه من صميم دورها”

وقال فطين انه  في كلتا الحالتين ستكون العملية الانتخابية التي تعود ولايتها لهيئة الانتخابات وادارتها السمعية والبصرية للهايكا محل تشكيك لأن أي خلل أو إرباك يؤثر على سيرها،  معتبرا بأن  الهايكا هي أحد أعمدتها وهي حركة المرور الاعلامية السمعية والبصرية وما تقتضيه من مبادئ الإنصاف والنزاهة والتوزيع العادل للزمن الإعلامي.

واردف فطين ”  نحن دخلنا المنعرج الانتخابي الحاسم في الفترة الانتخابية التي شهدت فراغا تنظيميا مهنيا وأخلاقيا واضحا بغياب الأرضية القانونية المعتادة وهي القرار المشترك الذي هو عبارة عن دستور مهني جامع للإعلام في تغطية الانتخابات من بدايتها إلى نهايتها وليس تغطية الانتخابات يوم وضع الورقة في الصندوق”.

وحول تأثيرات تغييب هيئة الاتصال ودورها في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة قال فطين لتونيزيا لايف ” الهايكا أرادت إبراء الذمة  ومواصلة مهامها إلى آخر لحظات نهاية الاستحقاق الانتخابي والقيام بدورها النظري رغم أن كل المؤشرات منذ 25 جويلية أكدت أنها ” تلعب في الوقت الضائع ” في إطار تعديلها وضبطها وتنظيمها للمشهد السمعي البصري وصولا الى الدستور الجديد الذي نزع عنها جانب الدسترة” .

واختتم  فطين ” وفي نهاية الأمر فإن غياب هيكل تعديلي واضح في ظل المشهد الإعلامي المنفلت والضبابي لن يكون في صالح أحد ” .

” كلا الهيئتين تواجهان موجة من التشكيك في الشرعية”

حول دوافع الخلاف بين الهيئتين، اعتبر الكاتب الصحفي الهادي الحريزي، ان احتدام المواقف بينهما  يكشف عن أزمة أعمق تعيشها الهيئتان فكلاهما عاش خلافات داخلية تجسمت  في حرب التموقع داخلهما، حيث ان المحاصصة  وتغير أعضائهما وكذلك تصفية الخصوم وبروز انشقاقات وعزل بعض المسؤولين او استقالتهم أكدت وجود أزمة تسيير داخلية أفضت الى تخلي أعضاء بالهيئتين او استقالة آخرين.

وواصل الحريزي ” يضاف الى ذلك، كلا الهيئتين تواجهان موجة من التشكيك في الشرعية، حيث ان اطرافا سياسية مناهضة لمسار 25 جويلية لا تعترف صراحة بهيئة الانتخابات بل وتعتبرها أداة بيد الرئيس قيس سعيد لابدال واقامة واقع سياسي يدفع بالاحزاب الى دفة الاقصاء”. 

مقابل ذلك ، يقول الحريزي،  هيئة الاتصال السمعي والبصري، تبدو في موقف محرج ازاء تراكم الاشكاليات والتحديات التنظيمية في مجال الاعلام كما انها تفتقد لمرجعية قانونية بل انها تقف في موضع المتفرج امام تحول قنوات برمتها الى سوق لبيع أواني الطبخ، ويقصد المتحدث، بتفاقم وسطوة الدعاية والاشهار لتجهيزات الطبخ على منابر تلفزية كانت لوقت غير بعيد تؤدي وظيفتها الاعلامية والاخبارية .

 ويذهب المحلل السياسي الهادي الحريزي، الى اعتبار ، أزمة الهيئات نتيجة حتمية لتردي الإطار التنظيمي ككل ذلك ان احداث الهيئات سوى التي عرفت بالدستورية او التعديلية كان حصيلة لاختيار الحلول التشريعية الأسهل عوضا عن الاحتكام الى مقاربة تنظيمية دامجة، ويقترح، اخضاع عمل الهيئات للمساءلة امام السلط العمومية وكذلك امام هيئات تحكيم يتمثل ضمنها الجمهور بالنسبة لهيئة الاتصال السمعي والبصري، وكذلك  بالنسبة لهيئة الانتخابات امام مجلس النواب المرتقب انتخابهم غداة اول استحقاق تشريعي.

يبدو أن الاقرار بالوجود الشرعي او الغير شرعي لاي من الهيئتين امر لا يمكن أن يبدل شيئا في المعادلة، خاصة عشية الاستحقاق الانتخابي، مع العلم أن كلاهما بصدد مجابهة موجة من التشكيك في الشرعية، فالهايكا ذهبت قربانا مسار ما قبل 25 جويلية واضحت ” خارج الاطار والزمن ” والثانية تشوبها انتقادات بانحيازها للرئيس، ويبقى السؤال عند الختام، كيف تكون الانتخابات دون حركة المرور واشاراتها السمعية والبصرية التي من شأنها أن تقي من حوادث الانتخابات وكثرة الاحالات على محكمة المحاسبات.

بقلم : اسكندر نوار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى