في خضم هذه الفواجع التي تعيشها بلادنا، يفاجئ ركح مسرح دار الثقافة إبن رشيق الجمهور التونسي، بعرض مسرحية “كان وصلت” من إخراج الشاب الأسعد بوصبيع، المخرج والمكون في منظمة أندا العالم العربي، وهي عمل مسرحي يطرح قضية الهجرة بطريقة جديدة، أبطالها وشخصياتها من أبناء الأحياء الشعبية الذين فقدوا أصدقائهم وأقربائهم.
في هذا الصدد ومع هذا الشكل المسرحي الجديد والطريف والذي يسوق رسائله عدد من الأطفال والجمهور، قامت “تونيزيا لايف بإجراء لقاء خاص مع المخرج الأسعد، ليحدثنا عن تجربة فنية فريدة من نوعها، تحمل في طياتها الكثير من الألم لمن فقدوا أبناءهم وتسوق لنا رسالة تدعونا إلى اعادة التفكير جميعا في امتطاء قوارب الهجرة إلى أوروبا، أو قوارب الموت، محددين بذلك مصائرنا بعبارة “كان وصلت”، وهي العبارة التي أنهت حياة المئات منذ سنوات، وأفقدت المائات أيضا، وأبلغت سواحل إيطاليا أعدادا أخرى.
سيد الأسعد لو نتحدث عن موضوع مسرحية ” كان وصلت ” كيف تعرضتم لموضوع الهجرة في العمل ؟
قبل أن نشرع في الحديث عن مسرحية كان وصلت نتحدث أولا عن الإطار الذي جاء فيه هذا العمل المسرحي، وهو يأتي في إطار منظمة أندا العالم العربي التي تنتصب في حي التحرير وحي التضامن وقصر سعيد وهي أحد أكبر الأحياء في تونس.
العمل الذي قمنا به يقوم بالأساس على استقبال الشباب والأطفال والنساء من هذه الأحياء، يأتون الينا يوميا تقريبا.
ويتعرض العمل أساسا إلى موضوع الهجرة السرية أو ما يعرف بـ”الحرقة” وهي موضوع مطروح من الشباب الذي يزورننا يوميا للحديث عن أبناء أحيائهم وأقربائهم.
وغالبا ما يتحدث هؤلاء عن عمليات الهجرة بصفة اسوبعية التي تحدث لأبناء حيهم والذين منهم من يبلغ السواحل الايطالية ومنهم من يغرق ومنهم من يظل مفقودا، وبالتالي فان هذا الموضوع كان “حارقا” بالنسبة لهم وهو من ضمن المواضيع المتداولة خلال هذه الفترة.
يوميا في تونس أصبحنا نتحدث عن خروج هذا من ذلك الحي وذاك من هذا الحي ونحصي أعداد الموتى والمفقودين، وبهذا الموضوع جاء في إطار منظمة أندا العالم العربي.
كم عدد العروض التي قدمتومها الى حد اللحظة وكيف تقيم تفاعل الجمهور مع العرض؟
قمنا بتقديم أول عرض يوم 12 نوفمبر الماضي، واستغرقت عملية تحضير العمل 6 أشهر تقريبا ونخوض التدريبات بصفة أسبوعية السبت الماضي كان لنا عرض بدار الثقافة إبن رشيق وأشكر كل الفريق الذي قام بالعمل.
وكنت هناك قد تحدثت مع مدير الدار الثقافة وأعجب بالموضوع والعرض وكان قد أتاح لنا الفضاء للعرض.
في قادم الأيام سنقوم بتأمين مجموعة من العروض الأخرى وسنعمل على تأمين عروض أخرى في كل الولايات، خاصة وأن الفكرة في اندا تقوم بالأساس على توعية الناس بالموضوع، باعتبار أننا حاولنا من خلال العمل مخاطبة الشباب الذي يقدم على الهجرة وكل الفئات المعنية بذلك.
موضوع المسرحية ” كان وصلت ” وهي عبارة عن كلمة تتضمن الكثير من اليأس والحزن، وهي العبارة التي يرددها المقبلون على الهجرة على أصدقائهم وأقربائهم.
ما الغاية من طرح موضوع الهجرة ضمن هذا العمل الفني وماهي أبرز الرسائل المضمنة؟
الغاية المضمنة وهي نفسها غاية منظمة أندا العالم العربي تقوم بالأساس على الاحاطة بالشباب في تونس ونعمل على توعيته.
في العمل هنالك عشرين طفل وطفلة تتراوح أعمارهم بين 12 و21 سنة وهم من كانوا الشخصيات الدرامية التي صعدت على الركح، وهم من ضمن أبناء الأحياء الشعبية المحيطة بمنظمة اندا وهي حي التحرير وحي التضامن وقصر اسعيد وهم من يمسهم الموضوع بصفة خاصة لأنهم فقدوا أقاربهم وأصدقائهم.
وهم أيضا نفسهم الشاهدون على آخر عمليات الهجرة، والأمر الأكثر تأثيرا هو ارتفاع عدد الفتيات اللاتي يغادرن في قوارب الموت.
لو نلخص الهدف من العمل هو أولا التوعية والتحسيس، وثانيا هم الذين سيقومون بنقل الرسائل للناس التي تواكب العرض.
في هذا الصدد أود أن أقول هل يجب علينا أن نلقي بأنفسنا في قوارب الهجرة حتى ولو كانت الحياة صعبة في تونس ولو كنا نعاني من مشاكل وصعوبات، أعتقد أن الرسالة الأساسية هي أن الحل ليس هناك.
باعتبار أن العمل يتزامن مع حادثة جرجيس، هل تعتقد بأنه يجب على المسرح طرح كل القضايا التي تحدث اليوم ؟
أعتقد بأن الظاهرة ليست جديدة، ولكن الجديد في الموضوع هو أن الشباب بات يلقي بنفسه في قوارب مهترئة وقاتلة للخروج من تونس.
أعتقد أيضا بأنه على الفن والمثقف والمسرح أن يطرح مثل هذه القضايا وأن يضع الأصبع على القضايا المجتمعية، لن نتحدث في نتائج الأعمال واستجابة السياسيين ولكنني أقول بأن المسرح نعم، من دور المسرح ودور المثقف ومن دور الفنان أن يصير هذه القضايا ويطرحها بطريقة فنية وليس توثيقية لدفع الناس إلى التفكير في الأمور التي لا تسير بشكل جيد.
هل تؤمن بالدور الفعلي للفن في تغيير الواقع أم أنك تعتقد بأن وظيفة الفن والمسرح تقتصر على النقل ؟
أنا أؤمن بالدور الفعلي للفن في تغيير الأوضاع..وهنا أتحدث عن المسرح، ونرى جيدا بأن الفن أنقذ كثير وكثير من الشباب الذي كان يتجه في طريق الانحراف وكان يتجه إلى عديد المخاطر التي تحيط به.
وكان للفن أيضا دور مهم في حياة العديد من الشباب لإخراجهم إلى الطريق السليمة، خاصة في الوقت الذي يعاني فيه الشباب من عدة صعوبات وكثيرون هم الذين بقوا في تونس واتجهوا في طريق الإبداع وفرضوا بقائهم.
كيف ترى دور الفن والمسرح في هذه الفترة التي يعيش فيها التونسيون أزمة ثقة وحالة من القلق بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الصعبة؟
أعتقد بأن للمسرح والفن عموما دور كبير في إخراج الناس من أزمة الثقة التي يعيشها التونسيون وذلك بتهذيب أذواق الناس.
ولعله يمكن أن يكون ملجأ ومخرجا للتونسي من الالام التي يعيشها يوميا.. لا أعتقد اليوم وجود تونس بدون فن أو ثقافة أو مسرح، أنا في الحقيقة تفاجئت بالـ500 متفرج الذين حضروا العرض الأخير في دار الثقافة ابن رشيق من كل الفئات الاجتماعية.
وأود هنا أن أصحح معلومة، هناك العديد من الناس يسوقون لفكرة أن أبناء الأحياء الشعبية لا يتابعون ولا يواكبون المسرح والفن والأمر عكس ذلك تماما، فقد رأيت جمهورا من مختلف الفئات، ومن ضمن الذين حضروا من الأحياء التي جاء منها الممثلون ثمة قرابة 300 متفرج من أبناء أحياء الذين شاركوا في العرض.
اليوم أصبح الفنان والممثل مقيم في مدينة الثقافة ولا يختلط بأبناء الأحياء الشعبية وإنما يختلط بصنف معين من الناس وهنا أود أن أقول بأن هناك في الأحياء الشعبية من لهم قدرات ومواهب مدفونة في هذه الأحياء ويجب أن تكتشف.
تحرير اسكندر نوار