مازال المشهد الليبي بعد سنوات من الصراع، يشهد حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، بالرغم من كل المحاولات الرامية إلى تحقيق استقرار بالبلاد وصياغة قاعدة دستورية والتوجه نحو الانتخابات.
وحتى مع المحاولات المتواصلة من قبل المبعوث الدولي الجديد والسفارة الأمريكية لدفع الأطراف المتصارعة في ليبيا إلى الاستقرار، مازلت المعادلة قائمة على خلاف الحكومة والأجسام السياسية الليبية، ليكون الشعار المرفوع هناك أن لا لقاء بين الأطراف الثلاثة، مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والحكومة.
خلال هذه الأيام تتوجه أصابع الإتهام فجأة إلى مجلسي النواب والدولة، بتهمة عقد اتفاق براغماتي يقوم بالأساس حول معادلة التوافق من أجل البقاء في السلطة، حتى ولو كلف ذلك زعزعة إستقرار البلاد.
يوجه المجلس الأعلى للدولة الليبية إلى حكومة الدبيبة أصابع الاتهام بمنعه من عقد جلسة رسمية على إثر محاصرة مقره في أحد فنادق العاصمة طرابلس، في الوقت الذي كان يعتزم التباحث فيه مع أعضائه حول توحيد السلطة التنفيذية واختيار أعضاء المناصب السيادية.
واتهم المشري حكومة الدبيبة بحكومة المليشيات، قائلا بأنها “تريد فرض سيطرتها بالقوة وبعرض عضلاتها على أبناء ثورة 17 فيفري الليبية”.
بناء على الأحداث الأخيرة، كانت ردود الأفعال الليبية وغير الليبية متباينة ومختلفة، إلا أن الفيصل هو أن الأجسام السياسية في ليبيا تعمل على عرقلة مسار الانتخابات، مجلسا أعلى وبرلمانا، ولا تفكر في غير مصلحتها ووجودها دون التفكير في استقرار البلاد.
مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لا يغلبان المصلحة الوطنية
حذر المترشح للانتخابات الرئاسية الليبية والناشط السياسي الليبي بشير إبراهيم الأحمدي من التداعيات الخطيرة للصراع الواقع بين حكومة الدبيبة والمجلس الأعلى للدولة الليبية.
وأشار الأحمدي في تصريح خاص لـ”تونيزيا لايف”، قائلا “أي مواجهة تحدث في ليبيا سياسية أو مسلحة ستزيد من تعميق الازمة وتعرقل المسار الانتخابي بالبلاد وتهدد حالة الاستقرار السياسي”.
ودعا الأحمدي إلى ضرورة البحث عن أطراف وساطة لإيجاد حل يسهم في تعايش الأجسام الليبية لضمان الاستحقاقات الانتخابية والدستورية المقبلة.
واعتبر الأحمدي، في ذات السياق، أن كل الأجسام السياسية في ليبيا تبحث عن الازمة وإطالة أمدها، وهي بالتالي تبحث عن نقاط الخلاف وليس عن الحل.
من جانبه، قال بشير الجويني الباحث في العلاقات الدولية والخبير في الشأن الليبي لـ”تونيزيا لايف” أن المواجهة بين الدبيبة والمشري هي بمثابة الدولة التي تخفي الغابة في اشارة الى التوافقات التي يمكن أن تحصل بين المجلس الاعلى للدولة ومجلس النواب الليبي.
وقال الجويني ” هذه التوافقات قد تهدد السلطة القائمة من جهة، كما إنها من جهة أخرى يمكن أن تكون شكل من أشكال المقاومة لكل محاولات التخلي عنهم في المرحلة المقبلة بشكل أو بأخر”.
من جهته، قال الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الليبي سمير الجراي لـ”تونيزيا لايف”: “لا أعتقد أن هذه الحادثة سيكون لها تأثير كبير على المشهد أو على مجريات المسار السياسي في ليبيا، فخلافات الدبيبة وصلت أشدها منذ فترة وهي متواصلة ولن تنتهي إلا بحسم المسار ككل إما بإجراء الانتخابات وهو أمر صعب في الوقت الحالي وإما بجر البلاد إلى العنف مجددا وهو ما ترفضه أغلب الأطراف.
واعتبر الجراي بأن الأمور في ليبيا تتجه إلى مزيد من تعميق الخلاف السياسي بين الأطراف الداعمة للدبيبة من جهة، والأخرى الداعمة للمشري من جهة أخرى.
هنالك اتفاق على جعل البلاد في أزمة
وحول تعجل المواجهة بين الدبيبة ومجلس الدولة بحسم المسار والموافقات السياسية بين المشري وعقيلة صالح خاصة فيما يتعلق بالمناصب السيادية والحكومة الموحدة، قال الأحمدي: “أن كل جسم من أجسام الدولة يعتبر طرفا في الأزمة الليبية، وله طرف دولي يدعمه ومن خلاله تستمر مصالحه، لذلك هناك اتفاق على استمرار الأزمة بالبلاد”.
وأشار الأحمدي إلى أن الدليل على ذلك، هو أن جميع المبادرات التي تمت برعاية دولية تكون نصف حل من أجل تدوير الأزمة والهروب بها للأمام.
وأردف الأحمدي، للأسف الشعب مغلوب على أمره يلهث وراء قوت يومه ولا يريد أن يكتوي بنار الحرب مرة أخرى، لأنها ببساطة تقرع طبولها على جلود ابنائه”.
من ناحيته، قال الجويني: “كثير من الجهات ترى أن الاتفاق الحاصل بين المجلس الاعلى للدولة ومجلس النواب الليبي، خاصة في علاقة ببعض المناصب السيادية هي ليست توافقات نابعة من إيمانها بضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية على الأقل في ظاهرها، بقدر ما هي نابعة من رغبة هذين المجلسين في تجاوز أزمتيهما وأزمة عدم قدرتهم على إنفاذ التوافقات بينهما.
وعلق الجويني على هذا التوافق، قائلا: “هو شكل من أشكال حفظ مكانهما وتواجدهما في المرحلة المقبلة وهي حسب العديد توافقات مرحلية من أجل إطالة عمر كلا المجلسين، قد تكون، وفق إرادات داخلية، تعاضدها بعض الإرادات الخارجية”.
من جهة أخرى، علق الكاتب الصحفي سمير الجراي “لا أظن أن المواجهة تعجل بأي شي فهي موجودة منذ مدة، وهي في الحقيقة ربما ظهرت الآن للعيان بشكل أوضح”.
وأضاف سمير قائلا: “لكن هو خلاف واضح بين الرجلين غير أن الحسم في الأمر من طرف عقيلة والمشري غير واقعي، فالأغلبية في مجلس الدولة ترفض بنود الاتفاق التي يريد تمريره مجلس النواب في ما يتعلق بالقاعدة الدستورية التي ستجرى على أساسها الانتخابات والعكس صحيح”.
واستنتج الجراي “من هنا نفهم أن المجلسين مختلفان تماما في المسار وأولوياته وبنود قواعد الانتخابات وقوانينها ولن يتمكنا من التوافق، بل إنهما لا يرغبان في ذلك حتى لا تجرى الانتخابات، حفاظا على مصالحهما وضمانا لبقائهما في المشهد”.
واختتم الجراي قائلا: “عقيلة والمشري وحدهما وإن اجتمعا على مصلحة واحدة وتوجه واحد لتغيير السلطة التنفيذية والدخول بالبلاد في مراحل انتقالية جديدة فهما غير قادرين على ذلك، باعتبار أن التوافق يستوجب أن يكون بين المجلسين”.
آخر فرصة اتفاق بين المجلسين وباتيلي سيقود الحوار والبلاد إلى الانتخابات البرلمانية
صرح رئيس حزب المؤتمر الوطني الحر الليبي فتح الله بشير السعداوي لتونيزيا لايف، بأن تداعيات صراع الدبيبة ومجلس الدولة بعد عملية المنع الأخيرة ستكون سيئة على الوضع العام في ليبيا، كما أنها ستساهم في مزيد تعقيد الأزمة بالبلاد.
وندد السعداوي باعتماد الدبيبة لنظرية “علي وعلى أعدائي”، حسب تعبيره، منبها إلى متابعة المجتمع الدولي لما يحدث في ليبيا.
وأشار السعداوي إلى أن هذا الاتفاق الذي وقع بين المجلسين لإرساء خارطة سياسية هو آخر فرصة توافق بينهما، معتبرا أن الصراع واقع بين الطرفين ضد الدبيبة وبالتالي فان حكومة الوحدة الوطنية تصرفت لإحباط هذا الاتفاق الذي كان من المتوقع أن ينهي سلطة الحكومة بالبلاد.
وقال السعداوي بأن “الدبيبة يدفع في اتجاه المضي نحو انتخابات جديدة بالبلاد تقصي كل الأطراف السياسية من المشاركة فيها، خاصة وأن هذا التوافق هو الفرصة الأخيرة في المسار، وخصوصا بعد إشراف المبعوث الأممي عبدالله باتيلي على تحقيق الاستقرار بالبلاد.
وأعتبر السعداوي بأن هذا الخلاف سيضاعف التوتر بين المجلس الأعلى للدولة والحكومة، ما سيدفع المجتمع الدولي والدول الاخرى الى التدخل وإيجاد حل وحوار جديد بالبلاد.
واختتم السعداوي قائلا بأن الحوار القادم سيكون بإشراف المبعوث عبدالله باتيلي وسيقود البلاد إلى الانتخابات التشريعية بصفة مباشرة، لإخراج جميع هذه الأجسام من المشهد السياسي الليبي.
تتواصل المشهدية الليبية في التعكر أكثر وأكثر، خاصة في اللحظات التي تظهر فيها بوادر السير نحو الاستحقاقات الانتخابية، وقبلها المضي نحو إرساء قاعدة دستورية في البلاد تنهي مسار الفوضى، لكن يبدو أن الاتفاق على قاعدة دستورية سيكون بمثابة اللعبة التي تحدد فائزا وخاسرا، ولعل كل الاطراف التي تخاف الخسارة تعمل على عدم إنهاء هذه اللعبة.
اسكندر نوار