اخبار وطنية

اتفاق مجحف ومشروع سياسي غامض.. أي مستقبل ينتظر التونسيين؟

في الوقت الذي تتساءل فيه رئاسة الجمهورية عن الأسباب الحقيقية التي أودت بحياة الـ 18 شخصا أو أصحاب “قارب الفاجعة”، تتضاعف باستمرار معدلات الذين يفكرون في العبور بحرا إلى بر أوروبا الآمن، خاصة في الوقت الذي تتراكم فيه تصريحات الخبراء الاقتصاديين على وسائل الإعلام التونسية، محذرة من تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، خاصة في الفترة التي توقع فيه تونس على اتفاق صندوق النقد الدولي دون الكشف عن فحواه.

الحكومة التونسية والاتفاق المجحف 

يطالب اتحاد الشغل، أقوى منظمة وطنية في البلاد، بضرورة الكشف عن تفاصيل هذا الاتفاق الذي حولته التصريحات الإعلامية إلى اتفاق غامض، قد يحمل في طياته مجموعة من القرارت المجحفة على الدولة التونسية وعلى الجانب الاجتماعي على وجه الخصوص، خاصة بعد إعلان وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية، عن دخول الدولة في برنامج رفع الدعم على مدار السنوات الأربع سنوات القادمة، ولتكون منظومة الدعم قد رفعت رسميا مع موفى سنة 2023.

بناء على ما سبق، تحيل كل المعطيات تقريبا على أن مؤشرات الأمل كانت على مدار السنوات الفارطة تتراجع تدريجيا في المجتمع التونسي، خاصة إذا ما عدنا إلى المؤشرات المتعلقة بالهجرة الغير نظامية والتي سبق أن نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في آخر تقرير له، حيث ارتفع مؤشر المهاجرين إلى السواحل الأوروبية بأكثر من 3 مرات خلال الخمس سنوات الفارطة، ليرتفع من 4526 مهاجر سنة 2018 إلى 13980 سنة 2022.

احصاءات

وقد يعكس هذا التطور المتسارع في الأرقام مسالتين مهمتين، الأولى هي ارتفاع مؤشرات اليأس لدى التونسيين في إصلاح الطبقة الحاكمة للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد، والمسألة الثانية متعلقة بما آلت إليه الأوضاع على إثر جائحة كورونا والكساد الكبير الذي شهدته الأوضاع بالبلاد ومضاعفات الحرب الروسية الاوكرانية على اقتصادات الدول بما في ذلك تونس.

في نشرة “آفاق أسواق السلع الأولية” التي نشرها البنك الدولي، قال بأن أسعار المواد الاساسية والطاقة ستشهد ارتفاعا متواصلا خلال الخمس سنوات القادمة، أي إلى موفى عام 2024، وقال البنك الدولي  يوم 25 افريل الماضي إن الحرب في أوكرانيا قد أحدثت صدمة كبيرة لأسواق السلع الأولية، وأدت إلى تغيير أنماط التجارة والإنتاج والاستهلاك العالمية بطرق يمكن أن تُبقي الأسعار عند مستويات مرتفعة تاريخياً حتى نهاية عام 2024.

انتظارات التونسيين من الرئيس لم تتحقق؟

يبدو أن انتظارات التونسيين من الرئيس قيس سعيد لم تكن حسب المأمول، خاصة في الوقت الذي لم تقدم فيه حكومة بودن الحالية أي حل من الحلول الاقتصادية والاجتماعية، وقد يعكس قرار الاتحاد الاوروبي المتعلق برفع التجميد عن أموال سبع أشخاص من عائلة بن علي وأقرباءه، أمس الجمعة، أداء الحكومة الحالية وأداء الرئيس في حد ذاته، خاصة إذا ما عدنا إلى تصريحات الرئيس، خلال أكثر من مرة، عن عمله على استرجاع أموال التوسنيين المنهوبة بالخارج.

في الأثناء، يثير ملف المعلمين النواب جدلا واسعا في الأوساط المجتمعية، والذي أدى إلى تعطل الدروس لعشرات الآلاف من التلاميذ على مدار 5 اسابيع، والتي كان سببها مقاطعة المعلمين النواب للعودة المدرسية، ومطالبتهم بتسوية وضعياتهم منذ أكثر من شهر في صراع مع وزارة التربية التي أبت حل هذا المشكل، ولعل السبب في ذلك هو مرحلة العجز الذي تمر بها الدولة التونسية والتي لم يسبق أن مرت به من قبل.

ويضاف إلى هذه الملفات، مؤشرات أخرى لم يكن لها أي دور غير مزيد تعميق الأزمة في البلاد، منها مسائل الاحتكار وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وأيضا مسألة النقص المسجل في المحروقات، إضافة إلى الأزمة التي أسهمت في مزيد تعكير المزاج العام للتونسيين.

برامج الإصلاحات والوعود 

تعهد الرئيس قيس سعيد، عشية إعلانه المسار الاستثنائي في 25 جويلية 2021، حلحلة الأزمة بالبلاد وإرجاع الأموال المنهوبة ومحاسبة المجرمين في حق الشعب، وكان قد طرح مجموعة من الوعود والمشاريع التي من شأنها تغيير الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية، منها احداث الشركات الاهلية وابرام الصلح الجزائي واسترداد الاموال المنهوبة بالخارج.

بعد مرور أكثر من عام منذ الإعلان عن المرحلة الاستثنائية وحل البرلمان، لم يحقق الرئيس أهم الوعود التي تعهد بها، حيث كان قرار الاتحاد الأوروبي أمس برفع التجميد عن أموال أفراد عائلة الرئيس بن علي وأقربائه، خطوة فشل للرئيس قيس سعيد في تعهداته تجاه الشعب، ثم إن عدم تطبيق مرسوم الصلح الجزائي الذي أبرمه خلال شهر مارس الماضي إلى حد اللحظة يعكس بدوره قلق الشعب من تأخر هذا المشروع المهم الذي من شأنه المساهمة في حلحلة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد.

وقد شدد الرئيس، الشهر الماضي، على أن يتم الإسراع في تطبيق هذا المرسوم، في حين أن بعض الخبراء التونسيين استحالوا تطبيقه، حيث اعتبر المحامي والقاضي الإداري السابق أحمد صواب أن “ملف الصلح الجزائي يعتبر نوعا من أنواع العدالة الانتقالية، ليس جديدا وإنما هذا التمشي نتيجة لتراكمات لبنتها الأولى لجنة عبد الفتاح عمر يليها لجنة المصادرة ثم هيئة الحقيقة والكرامة وصولا إلى الصلح الجزائي الذي ينوي رئيس الجمهورية تفعيله”.

وقال صواب أيضا أن “قانون الصلح الجزائي غير قابل للتطبيق لعدة أسبابك؛ أهمها أن تحريره كان رديئا، إضافة إلى صعوبة تنفيذه على أرض الواقع والوصول إلى نتائج في ظل وفاة بعض المعنيين بالصلح الجزائي وإفلاس البعض الآخر ومغادرة آخرين لتونس وصدور أحكام قضائية في حق معنيين آخرين.

إلى حد اللحظة يسير الرئيس سعيد عازما على الإصلاح السياسي والاقتصادي، مجددا دعاويه ومشددا عليها، الإسراع في تطبيق مرسوم الصلح الجزائي والتسريع في حلحلة بعض الاراضي الدولية لتكون برا ملائما لاحداث الشركات الاهلية وفي نفس الوقت، مراهنا على بعث البرلمان البديل وتجسيد المشروع السياسي الذي أعلنه منذ 25 جويلية.

مراهنة الرئيس على مشروعه السياسي.. الوعد الوحيد قيد التحقيق

يراهن الرئيس قيس سعيد على مشروعه السياسي الذي انطلق فيه بإعادة صياغة دستور جديد في للبلاد، والذي أفرز قطيعة كاملة تقريبا مع كل المكونات السياسية في البلاد، والذي سيتواصل إلى الشهر القادم بإجراء الانتخابات التشريعية بالبلاد في الوقت الذي كان فيه من المفترض أن تسلط فيه الحكومة التونسية الضوء على برامج عاجلة لإصلاح الاقتصاد بالبلاد.

ويعلن جزء كبير من المعارضة التونسية مقاطعة هذه الانتخابات، بحجة أنه مسار يكرس الحكم الاستبدادي، وخطة هدم لمكتسبات عشر سنوات مضت في الديمقراطية منذ سقوط نظام بن علي.

بناء على مسار الرئيس سعيد في الإنصات إلى مستشاريه، يبدو أن برلمان البلاد الجديد لن يكون له أي دور في التشريع أو الحكم، خاصة وقد لاحظنا خلاف الرئيس مع من جلسوا معه على طاولة الحوار في مرحلة أولى، ثم لجنة صياغة الدستور التي كانت تساند مساره بعد أن تحولت في وقت وجيز إلى مخالف له. 

تتواصل محركات الهجرة إلى اوروبا إلى أجل غير معلوم، تزداد وترتفع مع ارتفاع الاسعار في تونس وانهيار المقدرة الشرائية وفشل الرئيس في قيادة البلاد إلى بر الامان، وسط تحذيرات من انفجار اجتماعي، وتتواصل في الأثناء عمليات انتشال جثث ضحايا المهاجرين، بطرق مأساوية تعكس حالة الإحباط التي وصل لها التونسيون، إلى أن يجد الرئيس وحكومته أسباب العيش للتونسيين.

إسكندر نوار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى